بوّابات!
- أحدهما كان يحسب بوّاباته، والآخر كان يبوّب حساباته. كانا صغيرين. كَبُرَا. صار الأوّل شاعرًا والثّاني صار تاجرًا. رأيتهما قبل أيّام. كان الثّاني يُعاتب الأوّل على تأخّره في دفع الإيجار، مؤكِّدًا له أنّ للصّبر حدودًا، وأنّه لا يمكن التعويل على الصّداقة بأكثر من هذا الحدّ!.
- يسألني: لماذا تضع كتبًا كثيرة على الطّاولة؟! لماذا تُقرّبها منك إلى هذا الحدّ؟! ألا يكفي كتاب واحد على طاولة القراءة، وترك بقيّة الكتب في رفوفها؟!. وأردّ: ربّما أفتقد للصُّحبة!. الكُتُب بقربها منّي تقوم بتعويض ذلك!. وحين لا يبدو لي أنّه فهم ردّي، ولم يصله شعوري، أغيّر الرّد: حسنًا، إننا حين نفتح التّلفزيون فإنّنا نبتعد عنه مسافة كافية، لكنّنا لا نترك “الرّيموت” بعيدًا عنّا!. حتّى حين نكون متأكدين من أنّنا لا نريد تغيير المحطّة!. يبقى الإحساس برغبتنا، وبقدرتنا، على الانتقال من قناة إلى قناة أمرًا يجمع بين المتعة والطّمأنينة!. وكلّما كَثُرَت الكُتُب على طاولة القراءة، أشعر بذلك، أشعر بالمتعة والطّمأنينة، فكثرتها بالقرب منّي والإحساس بأنها في متناول يدي، يُشعرني بوجود “الرّيموت” قريبًا منّي!. كَثْرَةُ الكُتُب بالقُرْب منّي: هذه مسألة شكل، أمّا المعنى فهو ما أحسّه وأصيرُ إليه: أنا الكثيرُ بالقُرْب منها!.
- الكنز في الرّغبة، في العمل وفي القُدْرَة على إبقائها متأجِّجَة. جمال الأشياء وقيمتها رَهْن الرَّغبة. فاقد الرَّغبة في شيء، أي شيء، لن يرى في ذلك الشيء جمالًا ولا قيمة، سوف يراه تافهًا، وغير جدير بالتّأمّل أو المتابعة أو الاقتناء!. فقدان الرّغبة قاتل، وهو الشقيق التّوأم لليأس!. لكن اليأس أوطى درجة وأشدّ فتكًا!. وأمضى أسلحة اليأس شعور الإنسان لا بفقدان الرّغبة ولكن بأنه هو ذاته غير مرغوب، أو لم يعد مرغوبًا!. والذين يستسلمون لمثل هذا الشعور، يتمايلون ويتعثّرون ويسقطون، ثمّ، ويا للمأساة والخزي، لا يكون سقوطهم مدويًّا!. لا يكون كذلك رغم أنه سقوط كامل ونهائي!، ذلك أنّهم ومع بداية اليأس كانوا يهوون دون دراية منهم، وعند كل منحدر كانوا يتأقلمون منكمشين على أنفسهم متوهّمين أنّ شيئًا لم يتغيّر منهم أو عليهم!. يتأقلمون مع كل انحدار، متناسين أين كانوا وكيف صاروا. وحين تحين لحظة النهاية، لحظة الارتطام، حيث السقوط النّهائي، يكونون قد تأقلموا على ما قبل هذه اللحظة بسنتميترات قليلة، ولذلك لا يكون سقوطهم مدويًا، فهم لم يسقطوا من شاهِق!. على الأقلّ سيكون هذا شعورهم تجاه أنفسهم، لكن هذا الـ “على الأقلّ” هو الأهمّ!. إذ لا يفيدهم في شيء تتبّع الآخرين لرحلة سقوطهم من البدء، والشهادة بأنه كان سقوطًا طويلًا ومن علوٍّ شاهق!.
- طالما أنّك لم تشعر، أو لم “تَعُد” تشعر، بشراسة المنافسة، بما في ذلك من غيظ وتهوّر وأنانية وطمع، فأنت لم تبدأ أو تفرّدت في قِمَّة!. إمّا فشلتَ أو وصلتَ!. في المعمعة لا بدّ، ولا ضَيْر، من بعض المشاعر السّيّئة قليلًا، الشّرّيرة قليلًا!. والطَّيِّب الخَيِّر هو فقط من لا يؤذي بها غير نفسه!.