ماذا لو
نطقت الأشياء
ماذا لو نطقت الأشياء، ماذا لو كانت لدى الأدوات التي نستخدمها القدرة على الكلام، ما الذي ستقوله لنا؟ أول ما فكرت بالإجابة تبادر إلى ذهني جهاز الجوال، تخيلته يقول: ارحمني يا رجل.. ما الذي كنت تفعله قبل اكتشاف الجوالات؟! والحق معه، فأنا أتصفح شاشته كعادة لا حاجة، أتصفح وسائل التواصل رغم أني تصفحتها قبل دقائق، لا أبحث عن شيء معين ولا أنتظر خبرًا محددًا، ولكي أكون أكثر صراحة إنها أكثر من عادة، إنها إدمان، ويصح أن يقال عني وعن عشرات الملايين من الناس بأنهم مدمنو جوالات، ولن أستغرب إن فُتحت عيادات لمعالجة الإدمان من الجوال!
ما الذي ستقوله الأشياء لو كانت تتحدث… قفزت الكنبة إلى عقلي، نعم الكنبة ستقول لي: يا أخ أنا لست للتمدد والنوم.. كم من العمر تريد أن تبلغ لكي تعرف بأني لست سرير نوم ومهمتي هي أن أكون مكانًا للجلوس فقط؟! في لندن رافقت أحد الزملاء الذي أراد أن يستأجر شقة، اصطحبنا الوكيل العقاري للشقة الأولى، جديدة وواسعة، أثاثها أنيق، موقع العمارة ممتاز، فلا هي في وسط الشارع الرئيس المزدحم بالسيارات وما تسببه أصواتها من إزعاج، ولا هي بعيدة عنه حيث خدمات البقالة وما شابه.
رفض صاحبي الشقة وطالب الوكيل بعرض شقة أخرى، كانت الشقة الثانية لا تقل بالمواصفات عن الأولى، رفضها هي الأخرى، وطالب الوكيل بعرض شقة ثالثة، حينها اصطحبنا الوكيل إلى عمارة أقل مستوى في الموقع والمساحة والأثاث، وتفاجأت بصاحبي يوافق عليها مع أن أجارها لا يقل إلا بمبلغ صغير جدًا لا يذكر عن الأخريات الأفضل، هنا سألت صاحبي: ألم ترَ أن الشقق السابقة كانت أفضل من التي اخترتها؟ أجاب بأن الشقق السابقة لا يوجد بها كنبة كبيرة واسعة، بينما هذه الشقة فيها كنبة كبيرة تكفي للنوم المريح والنوم حتى الصباح على صوت التلفزيون! حينها أجبته بأنك تريد أن تستأجر كنبة أكثر من كونك تريد أن تستأجر شقة! ماذا لو تحدثت الأشياء… السيارة.. نعم السيارة، لا شك بأن السيارة ستقول لي ولعشرات الملايين طبعًا: ما هذه الرفقة التي لا إنصاف فيها، أوصلك إلى وجهتك في الوقت الذي تريد، متحملة كل أنواع الطقس ومطبات الشوارع وحفرها، تستخدمني كسيارة ومقهى ومطعم ومخزن، ومع كل هذا لا تأخذني للصيانة الدورية، ثم إذا تعطل فيني شيء لا تستبدله إلا قبل أن أتوقف عن العمل بسبب العطل، لماذا كنت سعيدًا عندما اشتريتني جديدة ثم انطفأت السعادة التي كنت أراها في عينيك وأنت مقبل علي؟ لقد تجرعت الألم وعملت من أجلك بصمت بينما تنظر في الطرقات إلى ما تسميه بالسيارات الفاخرة، لماذا لا تهتم بنظافة مقاعدي ولمعاني إلا إذا كنت متوجهًا إلى مناسبة أو موعد مهم؟ ألم تفكر ولو قليلًا بكميات الغبار والمظهر السيئ الذي كنت أبدو فيه أمام بقية السيارات؟ يبدو أن السيارة لن تتوقف عن اللوم والعتاب.. سأطفئ محركها.