2022-10-26 | 23:11 مقالات

فكرة مسافر

مشاركة الخبر      

لا أعرف السبب الذي يجعلني كلما صعدت الطائرة تذكرت واقع الحياة، وكلما شاهدت الركاب قفزت ظروف البشر أمام عيني، ولن أكون دقيقًا إن قلت إن السفر واحد، لا أبدًا، الفارق كبير جدًا بين أن تسافر على الدرجة الأولى ورجال الأعمال، وبين الدرجة السياحية، فارق شاسع.
وتكاد تكون درجات السفر التي أسافر عليها تشبه ظروفي في الحياة، فتارة أسافر على الدرجة الأولى، ومرةً على درجة رجال الأعمال، ومرات على الدرجة السياحية.
سمح لي هذا التذبذب بالدرجات إلى ملاحظة الفوارق، ليس في نوعية صالات الانتظار، ولا في سعة الكرسي وراحته أو المساحة الأمامية التي تستطيع أن تمد فيها رجليك، وليس بفرق الطعام المقدم بين الدرجتين، بل بالأسلوب الذي تعامل به، ففي الدرجة الأولى ورجال الأعمال تعامل معاملة إنسانية عالية، والطعام والشراب من حواليك أصناف تعرفها وأخرى لا تعرفها، يبتسم لك المضيفون وكأنهم ولدوا بوجوه مبتسمة، ويأتونك على عجل إذا ما أشرت لهم، حتى أنهم ودون أن تطلب يسألونك بين مدة وأخرى إذا ما كنت تريد شيئًا، واضح جدًا أنهم يسعون فعلًا لراحتك ونيل رضاك، فلا تنتهي الرحلة إلا وأنت تعتقد أن الحياة سعيدة أو أنها أصبحت سعيدة، ولا يفارقك هذا الاعتقاد حتى تغادر المطار وتواجه حقيقة الحياة من جديد.
أستطيع القول إن الخدمة العالية لركاب الدرجة الأولى ورجال الأعمال على جميع الخطوط، مع بعض الفوارق في المستوى بين بعضهم. على بُعد أمتار قليلة من الدرجة الأولى ورجال الأعمال هناك عالم آخر هو عالم الدرجة السياحية، قد تأتيك بعض أصدائه وأنت في الأولى من بكاء أطفال، أو معركة صوتية بين راكبين لأن أحدهما أرجع مقعده على الراكب الذي خلفه، عادة هذه الدرجة مزدحمة، ومن خلال تجربتي لا أرى أن هناك لها بروتوكولًا محددًا، وغالبًا تعتمد الخدمة على أخلاقيات المضيفين الموجودين على الرحلة، طيبتهم أو قسوتهم، حرصهم أو إهمالهم، يعني هم وضميرهم، وفي كل مرة أتعرض فيها للإهمال أتذكر أيام الدرجة الأولى وأرى تقلبات الزمن، وكيف أن المال الذي عندك يحدد علاقة وأسلوب البعض معك في رحلات الطيران.. وفي الحياة.
الأحبة في الخطوط الجوية السعودية أرجو ألا يزعجكم ما كتبته إن كان فيه ما يزعج شركات الطيران، فالحديث عن كل شركات الطيران التي سافرت على متنها وهي بالعشرات، وأنتم بالنسبة لي أحب خطوط جوية، ليس لأن مقاعد الطائرات السعودية هي الأفضل، ولا الخدمات على الطائرة، بل لأن الموظفين السعوديين ابتداءً من المطار وصولًا إلى المضيفين في الطائرة هم الأحب والأعز، ولأنهم يتعاملون بأخلاقيات السعوديين العالية، حتى يشعرونك في بعض الأحيان وكأنك ضيف عليهم في بيوتهم، وهذا غير مستغرب على السعوديين الذين يعيشون أخلاقياتهم الإسلامية وأعرافهم الاجتماعية داخل وخارج العمل. بارك الله فيكم.