أبو الأصول!
في الفيلم الأسطوري «الكيف» يقول جميل راتب ليحيى الفخراني بما معناه إنه كان يغش في الشاي الذي كان يبيعه «شاي أبو الأصول»، كان يمزجه بنشارة الخشب، وفي إحدى المرات ارتفع ثمن النشارة فتم التخلي عنها وأصبح يبيع الشاي دون نشارة، لكن الناس بعد أن تغير عليهم الطعم اتهموه بأنه صار يغش في الشاي! أجابه الفخراني الإجابة الشهيرة: «أنتوا اللي عودتوا الناس عالوِحش لغاية ما نسيوا طعم الحلو!»، إجابة الفخراني مرت في بالي قبل أيام وأنا أستذكر بعض مشاهد فيلم «الكيف»، ووجدت نفسي أتساءل عن الأشياء «الوحشة» التي اعتدت عليها حتى ظننت أنها جيدة، أو على الأقل عادية، وهل هي كثيرة أم قليلة. عندما صادقت أشخاصًا يدخنون وبعد أن اعتدت على رائحة الدخان صرت مدخنًا، وكل مدخن يعتاد على رائحة الدخان ولا يشعر بأنها «وِحشة». اعتدت في مرحلة الشباب على التبذير حتى اعتقدت أنه سلوك عادي، واعتدت في مرحلة ما على سلوك «وحش» لبعض الذين تعرفت عليهم، حتى أصبحت تصرفاتهم «الوحشة» عادية بالنسبة لي. في بداية التسعينيات تعرفت على شخص كان يسمع كاسيتات أقل ما يقال عنها هابطة، أغان لا قيمة لها، ولكثرة استماعي لها معه، صرت أدندنها، ونسيت أنها «وحشة»، حتى بعض المفردات «الوحشة» في مرحلة ما وجدت أني استعرتها من آخرين، و صرت أرددها في كلامي على أنها مفردات عادية. في أيام العزوبية استأجرت شقة صغيرة «استوديو» كان فيها لمبة واحدة ضعيفة عندما سكنتها لأول مرة، كانت إضاءتها باهتة كئيبة، وبعد عدة أشهر انطفأت نهائيًا فاستبدلتها بأخرى إضاءتها بيضاء قوية، وبمجرد أن أشعلتها ورأيت النور الأبيض يملأ المكان، سألت نفسي عن السبب الذي منعني هذا الضياء المبهج طوال هذه المدة، ولم أجد إجابة سوى أنني اعتدت على تلك الإضاءة «الوحشة» حتى نسيت أن هناك إضاءة أفضل منها!، اليوم في السوشل ميديا نعيش مثل مرحلة شاي «أبو الأصول»، الكثير من الأشياء السيئة التي اعتدنا عليها حتى صار العديد منا يعتبرها عادية لكثرة تكرارها، ولكثرة ما تحصل على مشاهدات عالية، ولكثرة ما يجد صنّاع المحتوى الهابط من انتشار وشهرة.