تشابك أسلاك
النوم باكرًا والاستيقاظ عند شروق الشمس «يصحصح» العقل، ويجعله في أفضل حالاته، هذا ما قاله الأطباء وأكدته الدراسات. قرأت أن العقل كائن حساس، ولا يستحمل الفوضى كثيرًا، وإذا ما ضغطت عليه دون فواصل من الراحة فقد «يضرب» وتتداخل أسلاكه. ولأني ممن ضغطوا على عقلهم - دون نتائج للأسف - قررت اتباع نصيحة الأطباء: النوم الكافي المبكر مع الاستيقاظ عند شروق الشمس. كانت تقلقني فكرة واحدة: هل فات الأوان على عقلي أم ما زالت هناك فرصة؟ قررت خوض التجربة لأني لن أخسر شيئًا، إن كان عقلي بالأساس «ضرب» فلن تتلفه نصيحة الأطباء. حاولت النوم مبكرًا، قاومت كل تطبيقات السوشال ميديا، و تجاهلت كل ما كان يشغلني. نمت بعد الـ 11:00 مساءً بقليل، واستيقظت السادسة صباحًا. كان انتصارًا على نفسي الأمارة بالسهر، وحدًا للفوضى، وسحقًا للقلق قبل النوم. انتظرت ساعة ولم ألحظ أي اختلاف في عقلي، ساعتين، لم أشعر أنه «مصحصح» ولا بتدفق للذاكرة كما بشّرَ الأطباء. حينها تيقنت أن الأوان قد فات على عقلي، فاستسلمت للواقع. خرجت أمشي وكان الطقس لطيفًا، لم تزعجني حقيقة أن عقلي ليس في حال طبيعية، كنت أشعر بالامتنان نحوه، يكفي أنه قادر على مجاراتي، ما زلت أعرف من أنا؟ وأين أعيش؟ وماذا أعمل؟ وأسماء من حولي وصلة القرابة معهم، كل هذه الناجيات من المكاسب لا بد الشعور بها والامتنان لها. أثناء المشي جاء سؤال في عقلي: مالذي ضرب أسلاك عقلي؟ في علم الاجتماع يقال لكي تدرس حالة موجودة عليك العودة للماضي. عدت للماضي فلم أجد شيئًا غريبًا، طفولة عادية تشبه أغلب الأطفال، ثم وصلت لمرحلة المراهقة فلم أجد شيئًا مختلفًا عن معظم المراهقين، ضياع أوقات كثيرة وتشبث ببعض الأوهام معتقدًا أنها أفكار وطموح، لكني توقفت عند نقطة أظنها البداية التي أوصلت عقلي إلى ما هو عليه. وجدت أني ومنذ عملي المبكر كنت وما زلت أركض دون توقف، مثل الفأر الذي يركض في الدولاب، لا العمل يهدأ لكي أهدأ، ولا أنا القادر على الخروج والانسحاب. بعد ظهور المتسبب بتشابك أسلاك عقلي، بدأت بتركيب الصورة، أنا أعمل دون استراحات حقيقية، حتى الأوقات التي يفترض أنها أوقات استراحة صارت وقتًا للسوشال ميديا التي ترهق العقل. المؤسف وبعد فوات الأوان ندرك أننا أضعنا أوقاتًا كان من المفترض أن نعطيها لأنفسنا.