السعودية أمام فرصة المشاركة في كتابة التاريخ
مسيرة لعبة كرة القدم من الصينيين إلى البريطانيين، النشأة والتطوير، والانتشار، مرت بمراحل ومنعطفات، جعلتها كما تُلعب اليوم من حيث القانون، والمنظمات الأهلية والقارية والدولية التي تترابط حلقاتها بتشريعاتٍ واحدةٍ، واتفاقياتٍ لتشكِّل عالم كرة القدم وتحميه.
اليوم تدخل المملكة العربية لسعودية كلاعبٍ مهمٍّ ومؤثرٍ بعد إعلان استضافتها نهائيات كأس العالم "المونديال" 2034، وإعلان سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تأسيس الهيئة العليا لاستضافة كأس العالم برئاسة سموه لعزم السعودية تقديم نسخةٍ استثنائيةٍ للمونديال، الذي سيُلعب للمرة الأولى في تاريخه بـ 48 منتخبًا في دولةٍ واحدةٍ.
يذكر الروائي الأوروجوياني إدواردو جاليانو في كتابه "كرة القدم بين الشمس والظل" حول أصول كرة القدم، أن الصينيين قبل خمسة آلاف عامٍ، نظَّموا أولى ألعاب كرة القدم، وقد وضعوا المرمى وسط الملعب، وسعى اللاعبون إلى ألَّا تلمس الكرة الأرض دون أن يلمسوها هم أنفسهم بأيديهم، وكيف وصلت بدعة اللعبة إلى الرومان، إلى أن صاغ شكسبير عام 1592 في مسرحيته شكوى إحدى شخصياته متقمِّصًا حال كرةٍ، فقال: "إنني أتدحرج فيما بينكم تركلونني إلى هناك، وهو يركلني هنا". وهي مرحلة بدء تطور اللعبة، والعمل على وضع قوانينها.
ويرى جاليانو أن كرة القدم في شكلها الحديث إنما تنحدر من اتفاق جنتلمان بين 12 ناديًا إنجليزيًّا، توصَّلت عام 1863 إلى قواعد اللعبة التي أقرَّتها جامعة كامبريدج في 1846، أعقبها الطلاق النهائي بين كرة القدم والرجبي، وعلى الرغم من هذا إلا أن اتفاق لندن لم يحدد عدد اللاعبين، ولا أبعاد الملعب، ولا مدة المباريات حيث كانت تستمر ساعتين، أو ثلاث ساعات، بل كان اللاعبون يتبادلون الحديث، ويدخنون حين تكون الكرة بعيدة.
لا شيء يبقى على حاله مع مرور القرون، والعقود. لم تكن "فيفا" 1904، سنة ولادتها، كما هي في 2024، وكما سطر التاريخ دور الصينيين والبريطانيين والرومان في مراحل البدايات، وما جرى في فلورنسا حين كان الفريق الواحد يشارك بـ 27 لاعبًا موزعين على ثلاث خطوطٍ، كذلك في أمريكا الوسطى، وهنود غابات الأمازون البوليفية، فهو يحفظ للإنجليز والإسكتلنديين حقهم في تطوير قوانين اللعبة ونشرها حتى باتت صاحبة الشعبية الأولى في العالم. ومن المؤكد أيضًا أن التاريخ سيسجل للسعودية، ليس الاستضافة الاستثنائية فحسب، بل وإسهاماتها أيضًا في إنعاش اللعبة بعد أن خلقت أرضًا جديدةً لنجوم اللعبة في العالم، وسوقًا موازيًا لها.
الأكثر والأهم من ذلك كله تأكيد الأمير محمد بن سلمان "على عزم المملكة الكبير للمساهمة الفاعلة في تطوير اللعبة حول العالم، ونشر وسائل المحبة والسلام والتسامح متسلحةً بقدراتها وإمكاناتها الكبيرة علاوةً على طاقات شعب المملكة وهممهم العالية لتحقيق الصعاب التي كانت إحدى ثمارها الفوز بملف استضافة كأس العالم بشكلٍ رسمي". هذا يعني أن المملكة ستضع بصمتها على مسيرة كرة القدم، وسيدوِّنها تاريخ اللعبة ليبقى شاهدًا لها على تعدُّد مساهماتها العالمية الأخرى في كل ما يعود بالخير والنفع على البشرية.
"جاليانو" يجعلنا أكثر وعيًا، وأعمق فهمًا حين نقرأ له عن عالم كرة القدم بقوله: "عند انقضاء القرن الـ 19، انتهى الاحتكار البريطاني لكرة القدم بولادة الاتحاد الدولي فيفا الذي صار يحكم منذ ذلك الحين العلاقة ما بين كرة القدم والعالم، وهو ما مكَّنه من إدخال تعديلاتٍ قليلةٍ على القواعد البريطانية التي نظمت اللعبة في السابق". قد يكون ذلك استشرافًا منه لمستقبل كرة القدم ومنطقية المشاركة في صناعتها من كل أقطار العالم، أو علها نبوءة بما تفضي إليه عزيمة المملكة العربية السعودية التي أشار إليها سمو ولي العهد "تطوير اللعبة حول العالم"، وهي إذا عزمت، وهو إن عزم على أمر تحقق بعون الله.