2025-02-21 | 23:02 مقالات

ميدالياتنا في أسياد 2034..

مشاركة الخبر      

قد يعتقد الكثيرون، أن الحديث عن تجهيز لاعبينا لتحقيق أقصى عددٍ ممكنٍ من الميداليات في دورة الألعاب الآسيوية 2034، (بوصفنا مستضيفًا للدورة ومنافسًا على مراكزها الأولى)، هو أمرٌ مبكِّرٌ نوعًا ما، لكنْ في الواقع، إذا علمنا أن متوسط عمر اللاعب الذي من المفترض أن يحقق ميداليةً قاريةً، أو عالميةً، هو تقريبًا 25 عامًا في أغلب الرياضات، فإن هذا يعني أن أغلب هؤلاء اللاعبين الذين سيشاركون في هذه الدورة (بعد تسع سنواتٍ) أعمارهم اليوم بين 14 و18 عامًا، ويعني هذا بدوره، أن اتحاداتنا الرياضية التي ستشارك ألعابها في تلك الدورة عليها أن تعلن أسماء هؤلاء اللاعبين، وأرقامهم الحالية التي تؤهلهم لخوض غمار منافسة لاعبين صينيين وكوريين ويابانيين مثلًا، وبرامجهم المرحلية والإعدادية التي سينخرطون بها فورًا لهذا الهدف، على افتراض أنهم يمتلكون هؤلاء اللاعبين.
ويجب على اللجنة الأولمبية السعودية والاتحادات الرياضية الوطنية تنفيذ استراتيجيةٍ طويلة المدى، تعتمد على تطوير المواهب، وعلى التدريب عالي الأداء، وعلى آليات الحوكمة الرياضية المبنية على البيانات، فالمنافسة مع دولٍ مثل الصين، واليابان، وكوريا، وغيرها من الدول الآسيوية المتقدمة رياضيًّا، تتطلَّب نهجًا ممنهجًا، واستثمارًا ذكيًّا للتقنيات والوقت والموارد والطاقات. وفيما يلي خارطةُ طريقٍ شاملةٌ لتحقيق هذا الهدف:

1. التركيز على الرياضات الغنية بالميداليات
الدول المتقدمة رياضيًّا، تركز على الرياضات التي تمنح عددًا كبيرًا من الميداليات مثل السباحة، وألعاب القوى، والمصارعة، ورفع الأثقال، لذا يجب علينا عمل ما يلي:
• إجراء دراسةٍ تحليليةٍ لتحديد الرياضات التي تملك أعلى فرصٍ لتحقيق الميداليات.
• الاستثمار في الرياضات القتالية مثل الجودو، والتايكوندو، والملاكمة، والمصارعة، والكاراتيه، حيث يمكن تحقيق ميدالياتٍ بسهولةٍ أكبر مقارنةً بالرياضات الجماعية، أو الرياضات ذات الحمل الفني المعقَّد، التي تتطلَّب سنواتٍ أطول، وخبراتٍ تراكميةً أكبر.
• تعزيز الرياضات التي تمتلك فيها السعودية أساسًا قويًّا مثل رفع الأثقال، والرماية، والفروسية، والقوس، والسهم.
• تطوير رياضاتٍ مثل السباحة، وألعاب القوى، وركوب الدرَّاجات، إذ تمتلك فرصًا عاليةً لتحقيق عددٍ جيدٍ من الميداليات.

2. إنشاء مراكز تدريبٍ رياضيةٍ عالية الأداء
يجب المسارعة في إنشاء مراكز تدريبٍ رياضيةٍ متطورةٍ في مختلف المناطق، منها على سبيل المثال:
• مركز وطني للأداء الرياضي (في الرياض)، ويكون مجهزًا بمختبراتٍ متطورةٍ لعلوم الرياضة.
• مراكزُ تدريبٍ إقليميةٌ في جدة، والدمام، ونيوم، وأحد مشروعات البحر الأحمر، والأحساء، والباحة (أو أبها أو الطائف) متخصِّصةٌ في رياضاتٍ معيَّنةٍ.
• مراكزُ تدريبٍ للرياضات القتالية مستوحاةٌ من أكاديمياتٍ مثل كوكيوون في كوريا للتايكوندو، وكودوكان في اليابان للجودو.
• معسكرات تدريبٍ على المرتفعات لتحسين القدرة على التحمُّل على غرار معسكرات كينيا لعدَّائي المسافات الطويلة، على سبيل المثال.

3. استقطاب أفضل المدربين والخبراء العالميين
لضمان المنافسة مع عمالقة الرياضة الآسيوية، تحتاج السعودية إلى:
• التعاقد مع مدربين عالميين لديهم خبرةٌ أولمبيةٌ من دولٍ مثل الصين، واليابان، والولايات المتحدة، وأوروبا، (وتطعيم فرق عملهم بمدربين وطنيين لنقل الخبرات).
• إطلاق برامج تأهيل المدربين بالتعاون مع مؤسساتٍ رياضيةٍ عالميةٍ، (وإشراك المؤسسات المحلية بالمشروع لنقل الخبرات والتقنية).
• إطلاق برامج لتدريب المدربين السعوديين، ليصلوا إلى مستويات تدريبٍ عالميةٍ، ما يضمن استدامة النجاح.

4. اكتشاف وتطوير المواهب الشابة
• إطلاق برنامج وطني لاكتشاف المواهب للأطفال من سن ستة أعوامٍ إلى 14 عامًا.
• التعاون مع المدارس، والأندية، والأكاديميات الخاصة لتحديد الأطفال الموهوبين في الرياضات المستهدفة.
• إنشاء برامج تطوير طويلة المدى (LTAD)، تعتمد على التدريب العلمي، والتغذية المتخصِّصة، وعلم النفس الرياضي.

5. تحسين بطولات الدوري المحلي والمنافسات الوطنية للألعاب المختلفة
• تعزيز الدوريات المحلية في ألعاب القوى، والسباحة، والمصارعة، والجمباز، والجودو، والملاكمة، والمبارزة.
• إنشاء دوري النخبة الرياضي حيث يتنافس أفضل الرياضيين السعوديين في بيئةٍ تنافسيةٍ عاليةٍ (يمكن استغلال دورة الألعاب السعودية لهذا الهدف مع ضرورة رفع مستواها الفني).
• تحفيز أندية الدوري السعودي (للألعاب المختلفة) على رعاية الرياضيين الأولمبيين وتطويرهم.

6. استغلال التقدم التكنولوجي في علوم الرياضة وتحليل البيانات
• إنشاء مركز ابتكارٍ للعلوم الرياضية لتحليل أداء الرياضيين من خلال الذكاء الاصطناعي، وعلم الحركة، والتغذية.
• عقد شراكاتٍ مع جامعاتٍ عالميةٍ، وشركاتٍ متخصِّصةٍ في تحليل الأداء الرياضي (مع إشراك جامعات محلية لنقل التقنية والخبرة).
• استخدام تقنيات تحليل البيانات (الضخمة وهائلة الكم) لتتبُّع تطور الرياضيين، وتحديد نقاط القوة والضعف.

7. إرسال الرياضيين للتدرب والتنافس في الخارج
• تقديم منحٍ دراسيةٍ للرياضيين للحصول على فرص تدريبٍ في دولٍ متقدمةٍ رياضيًّا مثل الصين، وكوريا، واليابان، والولايات المتحدة.
• ضمان مشاركة الرياضيين السعوديين في المسابقات الدولية الكبرى مثل الدوري الماسي لألعاب القوى، وبطولات العالم للسباحة، والجراند سلام للتنس.
• إنشاء اتفاقيات تعاونٍ ثنائيةٍ مع الدول المتقدمة رياضيًّا لتنظيم برامج تبادل الرياضيين من أجل تنشيط المسابقات المحلية، وزيادة زخمها.

8. تأمين تمويل مستدام للرياضيين ورعاية طويلة المدى
• تنفيذ برنامج رواتبَ مدعومٍ من الدولة للرياضيين الأولمبيين لضمان استقرارهم المالي.
• تقديم حوافزَ للشركات لرعاية الرياضيين عبر مزايا ضريبيةٍ، وتسهيلاتٍ إجرائيةٍ، وعقودٍ تسويقيةٍ.
• إنشاء صندوق استثماري أولمبي لدعم تطوير الرياضيين على المدى الطويل.

9. تعزيز الحوكمة الرياضية والمساءلة
• تحديث هيكلة اللجنة الأولمبية السعودية لتكون مبنيةً على النتائج والبيانات.
• وضع مؤشرات أداءٍ (KPIs) لقياس تقدم كل اتحادٍ رياضي.
• تنفيذ برامج دعمٍ للرياضيين، تضمن انتقالهم إلى مساراتٍ مهنيةٍ بعد الاعتزال.

10. تعزيز الثقافة الأولمبية في المجتمع السعودي
• إطلاق حملات توعيةٍ وطنيةٍ مستمرةٍ لتعزيز الوعي بالرياضة الأولمبية.
• دمج التربية البدنية المتقدمة في المناهج المدرسية لغرس ثقافة الإنجاز الرياضي منذ الصغر.
• استضافة معسكرات تدريبٍ دوليةٍ في السعودية لجذب رياضيين عالميين، ورفع مستوى المنافسة المحلية.

في الخلاصة، تمتلك المملكة ولله الحمد جميع الإمكانات المالية، والطموح، والبنية التحتية التي تؤهلها لتصبح من أقوى الدول الرياضية في آسيا بحلول 2034، لكنْ لتحقيق التفوق أمام دولٍ مثل الصين، وكوريا، واليابان، أو حتى مقارعتها نسبيًّا، يجب تبنِّي رؤيةٍ طويلة المدى، والاستثمار في الرياضات الغنية بالميداليات، واستخدام أحدث التقنيات في علوم الرياضة، وتوفير بيئةٍ تدريبيةٍ عالمية المستوى من خلال استراتيجيةٍ علميةٍ ومبنيةٍ على البيانات، ومقرونةٍ بدعم حكومي قوي، ومشاركةٍ مجتمعيةٍ واسعةٍ، ويمكن لنا بعد ذلك أن نحقق إنجازًا جيدًا في دورة الألعاب الآسيوية 2034 بإذن الله.
ولا بد من الإعلان عن تلك الشخصية السعودية، التي ستتقلَّد وبشكلٍ رسمي حمل حقيبة أسياد الرياض 2034، تلك الشخصية التي تعي جيدًا معنى الرياضة، ومعنى الدورات الآسيوية والأولمبية، وتتحدث لغة "الرياضة" التي لا يجيدها إلا الرياضيون. ولا ننسى دعم صغار المستثمرين في القطاع الرياضي حيث إن نشر ثقافة أي رياضةٍ كانت، وازدهار أي رياضةٍ كانت، لم ولا ولن يتم إلا بازدهار نشرها من خلال القطاع الخاص الذي يجب أن يُدعم ماليًّا وقانونيًّا ولوجستيًّا من صندوقٍ وطني مختصٍّ.