حوكمة الاتحادات الرياضية في الدول المتقدمة رياضيا
حوكمة الاتحادات الرياضية وعلاقتها باللجان الأولمبية الوطنية ووزارات الرياضة في الدول المتقدمة رياضيًا، يوجد العديد من النماذج الناجحة والدروس المستفادة، حيث تشكل العلاقة بين الاتحادات الرياضية وباقي الجهات المذكورة، حجر الزاوية في بناء منظومة رياضية ناجحة ومتقدمة ومتكاملة. وعلى سبيل المثال، في الدول المتقدمة رياضيًا مثل بريطانيا، ألمانيا، أستراليا، واليابان، تتسم هذه العلاقة بمزيج من الاستقلالية المؤسسية والتكامل الاستراتيجي، مما يخلق بيئة احترافية تقوم على المساءلة والنزاهة والعمل المؤسسي.
فالهيكلية القانونية والمؤسسية لهذه العلاقة، يعتمد على عدة نقاط محورية، لا بد من التطرق لها فيما يلي:
1. استقلالية الاتحادات الرياضية:
في الدول "المتقدمة"، تُمنح الاتحادات الرياضية استقلالية قانونية وإدارية كاملة، لكنها تُلزَم بالامتثال لمعايير الميثاق الأولمبي الدولي ومعايير الحوكمة الوطنية، على النحو التالي:
• الاتحادات الرياضية تكون عادة منظمات غير ربحية مسجلة قانونيًا.
• تمتلك جمعيات عمومية منتخبة ومجالس إدارات مستقلة.
• لا يجوز للجنة الأولمبية أو وزارة الرياضة التدخل في قراراتها الفنية أو الإدارية، باستثناء حالات الإخلال بالقوانين أو الأخلاقيات المُثبتة باللوائح المتفق عليها آنفًا.
2. دور اللجان الأولمبية الوطنية:
تكون اللجان الأولمبية الوطنية في تلك الدول مسؤولة عن:
• التنسيق العام بين الاتحادات الوطنية واللجنة الأولمبية الدولية.
• تمثيل الدولة في الدورات الأولمبية والمناسبات العالمية.
• دعم وتطوير الحوكمة داخل الاتحادات الرياضية.
• الإشراف على تنفيذ البرامج الأولمبية والتأكد من التزام الاتحادات بالميثاق الأولمبي.
وفيما يخص العلاقة المهنية والفنية بين الجانبين، يمكن توضيحها فيما يلي:
1. التخطيط الاستراتيجي المشترك:
• تُعقد اجتماعات دورية لوضع خطط وطنية موحدة تشمل تأهيل المنتخبات، وتحديد الأهداف الأولمبية.
• تُوَقع مذكرات تفاهم واضحة تحدد أدوار الطرفين، مثل إعداد الرياضيين، وتوزيع الموارد، وتطوير الكفاءات الفنية.
2. الدعم الفني المشترك:
• تقدم اللجنة الأولمبية برامج دعم فني تشمل التأهيل الدولي للمدربين، والمنح التدريبية للرياضيين، وتبادل الخبرات.
• التعاون مع المعاهد الوطنية للرياضة، مثل AIS في أستراليا أو INSEP في فرنسا لتطوير المنتخبات.
وهنا، لا بد من إلقاء الضوء على المسئوليات المتبادلة بين اللجنة الأولمبية الوطنية والاتحادات الرياضية، فيما يلي:
- مراقبة النزاهة والشفافية، يقابله الالتزام بمعايير الحوكمة.
- توفير التمويل الحكومي/الأولمبي، يقابله العمل على إعداد المنتخبات للمشاركات الدولية.
- اعتماد الخطط السنوية والفنية، يقابله تطوير اللاعبين والمدربين محليًا.
- التنسيق مع اللجنة الأولمبية الدولية، يقابله الالتزام الكامل بالميثاق الأولمبي.
- رفع تقارير دورية للدولة والمنظمات الدولية، يقابله رفع تقارير عن الأداء المالي والفني.
ومن النماذج الناجحة في العلاقة بين اللجنة الأولمبية والاتحادات الرياضية، ما يلي:
1. بريطانيا:
UK Sport وBritish Olympic Association
• وهي تركيبة رياضية فنية حكومية استثمارية، تمثل نموذج تكاملي ناجح، حيث تتولى UK Sport التمويل والتخطيط طويل الأمد، فيما تشرف اللجنة الأولمبية على التنسيق الدولي. وللعلم، UK Sport، هي الجهة الحكومية المسؤولة عن الاستثمار في الرياضات الأولمبية والبارالمبية في المملكة المتحدة. ويُعد من الركائز الأساسية في نظام الرياضة النخبوية البريطاني، حيث يعمل على دعم الرياضيين البريطانيين لتحقيق النجاح على المستوى العالمي، خصوصًا في دورات الألعاب الأولمبية والبارالمبية.
• وبالطبع، يتم مراجعة أداء الاتحادات وفق مؤشرات واضحة، وتُربط التمويلات بتحقيق الأهداف.
2. أستراليا:
Australian Olympic Committee وSport Australia
• في هذه التركيبة، كل اتحاد يتمتع بحوكمة مستقلة، لكن يخضع لمراجعات دورية من اللجنة الأولمبية الوطنية وهيئة التمويل الحكومية.
• ويتم تحفيز الاتحادات عبر مكافآت مرتبطة بالأداء الفني والأخلاقي.
3. اليابان:
Japanese Olympic Committee
• تفرض اليابان التزامًا عاليًا بالقيم الأخلاقية والاحترافية.
• يوجد مجلس تنسيق وطني يضم الاتحادات واللجنة الأولمبية ووزارة التعليم والرياضة لتوحيد الرؤية الوطنية.
وبطبيعة الحال، يوجد في هذه الدول محاذير كثير، يتجنبون الوقوع فيها فيما يخص تلك العلاقات، وأهمها هو:
1. التدخل الحكومي المباشر في قرارات الاتحادات «يُعتبر مخالفة صريحة للميثاق الأولمبي» باستثناء ما يختص بمراجعة الميزانيات وبنود الصرف التي تمولها مؤسسات الدولة.
2. تسييس الرياضة أو استغلالها لمكاسب غير رياضية.
3. تعارض المصالح داخل مجالس الاتحادات أو اللجنة الأولمبية.
4. ازدواجية الأدوار بين الأجهزة الفنية والتنفيذية.
5. غياب الشفافية في التقارير المالية والفنية.
6. إضعاف الجمعيات العمومية للاتحادات وإفراغها من صلاحياتها الرقابية.
ولذلك، فإن كيفية التعامل مع مجالس إدارات الاتحادات الرياضية، وخصوصاً تلك التي وصلت من خلال انتخابات نزيهة ونظامية وشرعية لجمعياتها العمومية، يجب أن يُبنى على مبادئ رئيسية، منها ما يلي:
• اختيار الأعضاء وفق معايير مهنية صارمة تتضمن الخبرة والحياد.
• يُمنع ترشح الأفراد الذين لديهم تضارب مصالح أو سجل سلوكي سلبي.
• تخضع المجالس لعمليات تقييم أداء دورية.
• تدريب الأعضاء على الحوكمة والأخلاقيات المهنية، والاستراتيجيات الرياضية الحديثة.
ومن أبرز الدروس المستفادة من تجارب الدول المتقدمة رياضيًا، أن النجاح المؤسسي للاتحادات الرياضية يبدأ من اختيار القيادة المناسبة، سواء داخل الاتحادات نفسها أو ضمن اللجنة الأولمبية الوطنية، وبالتالي، تبرز أهمية تأهيل القيادات لضمان الاستقلالية والنجاح المؤسسي، والتي قد تُختصر بالنقاط التالية:
1. تأهيل القيادات لخوض انتخابات الاتحادات:
• تُولي هذه الدول اهتمامًا كبيرًا بتأهيل الكوادر القادرة على خوض الانتخابات الإدارية داخل الاتحادات وفق معايير مهنية دقيقة.
• الهدف هو تفادي الإخفاقات الإدارية والفنية التي قد تضطر اللجنة الأولمبية للتدخل المباشر فيها، وهو أمر يتنافى مع مبدأ الاستقلالية بكل تأكيد.
• لذلك، تُنظم برامج تأهيلية للمرشحين تشمل:
• فهم واستيعاب الحوكمة الرياضية.
• آلية وأهمية التخطيط الاستراتيجي.
• التعرف على القوانين الدولية والمحلية ذات العلاقة.
• اكتساب الحد الأدنى من المهارات القيادية والتفاوضية المطلوبة.
2. تأهيل الكفاءات داخل اللجنة الأولمبية نفسها:
• بنفس القدر، تحتاج اللجنة الأولمبية الوطنية إلى قيادات مؤهلة ومتفهمة لطبيعة عمل الاتحادات، وقادرة على دعمها دون فرض أي وصاية عليها.
• تُعد هذه القيادات مسؤولة عن:
• التنسيق "الذكي" والبعيد عن التدخّل بصميم عمل الاتحادات.
• بناء برامج دعم واستدامة بدلاً من الحلول المؤقتة.
• نقل الخبرات العالمية إلى البيئة المحلية.
• فهم واستيعاب أن الاتحادات ومجالس إدارتها لا يعملون لدى اللجنة الأولمبية الوطنية وقياداتها، لا يخضعون لهم هيكلياً وإدارياً.
إنً الحرص على تنفيذ ما ذُكر أعلاه، والتأسّي بآليات العمل الأولمبي والرياضي في تلك الدول الناجحة في هذا القطاع، سينتج عنه استقرار واستقلالية للاتحادات الرياضية، بل وستظهر النتائج المشرفة على السطح بشكل تدريجي وواضح.
حيث عندما تكون القيادات في الاتحادات الرياضية واللجنة الأولمبية واعية ومدرّبة ومتفهمة لأدوارها، فإن العلاقة بين الجانبين ستصبح أكثر انسجامًا، وسيقل احتمال الصدام أو الفشل، مما يُعزز من استقرار المنظومة الرياضية واستدامة تطورها
وللتأكيد، فإن العلاقة الناجحة بين اللجنة الأولمبية الوطنية والاتحادات الرياضية بل والجهات الحكومية ذات العلاقة في الرياضة في تلك الدول المتقدمة رياضيًا، تقوم على الاستقلال المنضبط، والتكامل الاستراتيجي، والمساءلة المتبادلة. هذه العلاقة لا تُبنى بقرارات فوقية أو بنفوذ إداري، بل تؤسس لمهنية مؤسسية وبيئة أخلاقية ترفع من شأن الرياضة، وتضمن استدامة النجاحات فيها. فالرياضة ومؤسساتها، وُجدت للرياضيين، ذوي المهنية والصدق والأمانة والمروءة، وذوي الأخلاقيات العالية التي ولو لم تصل لمستوى أخلاقيات الفروسية في بعض الأحيان، فإنها لن تكون بعيدة عنها على الأقل. وطبيعة المسئوليات فيها، مثلها مثل جوانب الحياة الأخرى، أنها لا تدوم لأحد، فيحرص العاملين فيها على ترك أثر طيب بالأمانة والصدق، يذكرهم الناس فيه بالخير وتمنّي وجودهم، بدلاً من ذكرهم بخلاف ذلك، ويفوزون بيوم يجزي الله فيه الصادقين بصدقهم.