2025-05-24 | 21:42 مقالات

رضيع في الأهلي

مشاركة الخبر      

فركت عيني مرتين صبيحة ذلك اليوم مذهولًا من بيان الأهلي بشأن تمسكه بمدرب الفريق ماتياس يايسله. لم أعرف هل ذاكرة إدارة النادي تشبه ذاكرة رضيع؟. حسنًا، يبدو ذلك. وإليكم تنشيطًا لذاكرة من يقرأ، على افتراض أن النادي كما بقية الأندية مستقلة في بياناتها وقراراتها.

كان المدرب الألماني على رأس هرم سالزبورج النمساوي، وهناك أعين تراقبه في بلاده، لأنه مدرب واعد. قبيل بدء الدوري النمساوي، بدأ يتلوى في تصريحاته، حتى انكسر الزير، وسال ما بداخله، وكأنه يقول: نعم، كنت أتفاوض مع أندية سعودية، وأنا مرتبط بعقد معكم، حتى وأنا أختار تعاقدات صيفكم، وأحدد لكم مساركم. أريد أن أترك أوروبا واسمي الواعد فيها، وسأترك دوري أبطالها. لن أجعل اسمي يصعد. سأترك كل الطموح، وأبدأ في الجنوح عن مسار مهني لا طائل منه، فالمال لمع في عيني.

ما الذي كتبه سالزبورج في بيانه؟ لم يطبطب، بل أقاله، وكان صريحًا حينما شرح المدير التنفيذي لنادي سالزبورج ستيفن رايدر في البيان: "نؤمن بأن المدرب الذي ينشغل كثيرًا بالانتقال إلى نادٍ آخر قبل يومين فقط من انطلاق الموسم المهم، لا ينبغي له أن يكون موجودًا في افتتاحه". وأضاف: "نريد أن نبدأ الموسم الجديد بقناعة، ولتحقيق ذلك نحتاج إلى تركيز كامل بنسبة 100% من جميع المعنيين". ولو عدنا إلى بيان سالزبورج، فإننا نلحظ خلوه من أي اقتباس من المدرب، على غير عادة الأندية الأوربية، والسبب كما يشرح المدير التنفيذي في حديثه لسكاي: "مع قصر الوقت، اضطررنا إلى ضبط نغمة البيان والتحكم بالرسالة الإعلامية. أعتقد أنه لا شيء أهم من النادي، وهذا هو الأهم. المؤسسة فوق جميع الموظفين".

ثمّة من يظن أن صرامة بيان سالزبورج لم تكن غضبًا أخلاقيًا خالصًا، بل جزءًا من مسرح تفاوضي لحماية حقوقه، وتحميل الطرف السعودي وحده تكلفة الشرط الجزائي. لم يشأ النمساوي الظهور وكأنه وافق على الرحيل قبل انطلاق الموسم بساعات، فصبّ جام اللغة على المدرب، وابتلع التعويض المالي بلغة مواربة، وكأنه قدرنا المستمر في ألا تصلنا رسائل حوالة واردة، بل صادرة.

لقد خرج يايسله من النمسا إلى جدة، وبعثّر سالزبورج، حتى خسر لقبه في ذلك الموسم، وكان استراحة الفرق في مجموعته الأوروبية. وقد يسأل سائل: ألم يكن يفكر في عواقب خطوته؟ أليس في ذلك تهور؟. أجاب عن هذا ذات مرة حين سألته إذاعة RMC الفرنسية إن كان يخطط للعمل في دوري أوربي معين بقوله: "كنت أخطط لمساري لاعبًا، لكن إصابة أنهت مسيرتي فجأة، ومنذ ذلك اليوم قطعت عهدًا ألا أتنبأ بالمستقبل، وأركز فقط على الحاضر".

لعل هذه الفلسفة الشخصية تفسّر شيئًا من قراراته المفاجئة. فالرجل الذي صفعه المستقبل ذات يوم، آثر أن يعانق اللحظة مهما كلفته، وأن من يصفه بالطموح لأنه شاب، فإن كل هذا الواقع يكذبه، وأن فرضية (الشغف عند المدربين الشباب)، ها قد ألقى بها الألماني في بحر جدة، وأن من يقول إنه يعشق النادي، فمزايدته وهو يقرأ قدوم أليجري قطعت قول كل خطيب.

يكتب يايسله اليوم الجزء الثاني من القصة، لكن من الذي قرأ الجزء الأول منها؟ أم أن الرضيع لا يقرأ ولا ذاكرة لديه؟