2025-07-20 | 23:19 مقالات

متحف رونالدو والهلال

مشاركة الخبر      

في صيف 2025، اجتذبت هونج كونج أنظار العالم الرياضي والإعلامي بافتتاح متحف CR7 Life Museum، المخصص للنجم البرتغالي كريستيانو رونالدو. أقيم المتحف في مركز K11 MUSEA الشهير، ويمتد على مساحة تتجاوز 1200 متر مربع، ويضم أكثر من 40 قطعة توثق مسيرة رونالدو الأسطورية، من الكرات الذهبية والأحذية الذهبية، إلى قمصان المباريات والصور النادرة من طفولته بالإضافة إلى متجر رسمي يحمل علامة CR7، إلى جانب مقهى بطابع برتغالي يعكس الجذور الثقافية للنجم العالمي.
رغم الطابع الاحتفالي لهذا الحدث، لم يكن بعيدًا عن تداعيات رياضية مباشرة، فقد أعلنت الجهات المنظمة لكأس السوبر السعودي إقامة البطولة في هونج كونج ما بين 19 و23 أغسطس في نفس المدينة، وسط توقعات بمشاركة كريستيانو رونالدو مع نادي النصر. وقد اعتبر كثيرون أن هذا التوقيت المكثف للأنشطة المرتبطة برونالدو، من افتتاح المتحف إلى البطولة، يُشكل حملة ترويجية كبرى تدور في فلك اللاعب، وتحول الحدث الرياضي إلى امتداد لمشروعه الشخصي والعلامة التجارية التي يحملها.
في هذا السياق، اتخذ نادي الهلال السعودي موقفًا حاسمًا بإعلانه الانسحاب من بطولة السوبر. خطوة فُسّرت على نطاق واسع بأنها موقف أخلاقي ومؤسسي من نادٍ يرفض أن يكون مجرد مكمّل في حملة تسويق فردية. فالهلال، بما يحمله من تاريخ عريق وجماهيرية استثنائية وهيبة آسيوية، اعتبر أن البطولة فقدت توازنها الرياضي، وتحولت إلى مناسبة موجهة لخدمة اسم لاعب بعينه على حساب الكيانات الكبرى.
مصادر قريبة من النادي أوضحت أن الهلال لا يعارض إقامة السوبر خارج السعودية، ولا يعترض على حضور نجوم عالميين، لكنه يعترض على اختزال بطولة رسمية إلى وسيلة دعائية مرتبطة بافتتاح متحف شخصي، وكأن الفرق المشاركة تُستدعى لتعظيم صورة تجارية لا علاقة لها بجوهر التنافس. فالهلال، الذي ساهم في ترسيخ كرة القدم السعودية في القارة الآسيوية، ورفع اسم المملكة في كل المحافل، لا يقبل أن يُسحب إلى مشهد لا يخدم قيم المنافسة، بل يذوب فيه خلف كواليس حملة تجارية.
رونالدو، بكل ما يحمله من قيمة رياضية وتاريخية، هو نجم عالمي لا يُنكر تأثيره، لكن في الوقت نفسه، يجب أن تبقى الأندية أركانًا ثابتة، لا تتحول إلى أدوات في مشهد تسويقي موجه. وإن حضر رونالدو البطولة فعليًا، فسيكون قد اجتمع في هونج كونج «الكئيبة كرويًا» داخل حدثين كبيرين يخدمان صورته: متحف يُجسد مسيرته، وبطولة تُنظم في توقيت يخدم حضوره الجماهيري والإعلامي، مما يعزز من تكامل نشاطه التجاري والرياضي.
انسحاب الهلال لم يكن انسحابًا من البطولة فقط، بل كان انسحابًا من مشهد غير متوازن، ومن سردية تُفرغ البطولة من روحها التنافسية، وتعيد ترتيبها لخدمة نجم واحد. إنه تذكير بأن هناك فرقًا بين لاعب أسطوري وكيان أسطوري، وأن الأندية العريقة لا تُختزل، ولا تُستدعى لتلعب دورًا في مسرح غير رياضي الطابع.
في النهاية، بين متحف يحكي قصة بطل، ونادٍ يكتب موقفًا أخلاقيًا باسم التاريخ، تجد الرياضة نفسها منقسمة بين من يرى في كرة القدم منصة للعلامات التجارية، ومن لا يزال يراها ميدانًا للمبادئ والهيبة والتاريخ.