حكمة الشعوب
لم أعد أقرأ أمثال الشعوب لأتعلم منها، بل لأستمتع بها، لو كنت قادرًا على التعلم بمجرد قراءة الأمثال لكنت اليوم حكيم زماني. لكن ذلك لا يعني فقداني للأمل، لأني قرأت قول العلماء إن العقل قد يستخرج لك حكمة قرأتها يومًا ما، لتستفيد منها في الوقت المناسب، آمل أن يصدق العلماء، ويؤسفني القول إن بعض ما يقولونه لا ينطبق على الجميع، فالعقول والجينات مختلفة. بالأمس وجدت نفسي غاضبًا من أمرٍ ما، ورحت أتكلم كما يتكلم الغاضب، لا عقل، ولا حكمة، ولا فهم، وعندما استعدت هدوئي بعد ساعة، تساءلت: أين ذهب ما تعلمته من القراءة عن فداحة الغضب؟ اليوم اخترت مجموعة من الأمثال العالمية، أبدأها بمثل دنماركي عن تأثير المال «المال لا ينبت على الأشجار، لكنه يجعلها تبدو أكثر خضرة» عن المال تذكرت ما قاله أحد المعارف عن حالته قبل المال، وكيف أن أهله والمقربين منه لم يعيروا له اهتمامًا، لا كلمة مسموعة، ولا رأيًا محترمًا، حتى عندما أراد الزواج وتقدم لخطبة إحدى الفتيات تم رفضه سريعًا، وعندما فتح الله عليه من واسع رزقه، صار عندهم الرجل الحكيم، ذا الكلمة التي لا تُرد. لكنه كان واعيًا، فحافظ على ما كسبه وضاعفه بحكمة، لأنه أدرك قوة المال في يد الإنسان. مثل مجَري عن الذين يوقعون أنفسهم بالمشاكل، ثم يحاولون إلقاء اللوم على غيرهم: «إذا وقعت في الوحل لا تلُم الحذاء». هناك مثل شعبي يشببه لكنه قيل في المرأة التي تصنع المشاكل لنفسها: «خبزٍ خبزتيه يالرفلة إكليه». الإيرلنديون حذّروا بطريقتهم من عواقب الإهمال، وإلى أي درجة قد يوصلك إلى حالة بائسة: «إذا تركت الباب مفتوحًا، سيدخل الحصان لاحتساء الشاي». لم أزر ألمانيا لكني سمعت من أصدقاء أن الألمان غارقون في العمل، و ربما هذا ما يفسر صناعاتهم، ولا أقصد الحالية، فلا أعرف إن كانت جميعها ما زالت تصنع في ألمانيا، أو هناك ما يصنع في الصين لحساب الشركات: «من لا يريد أن يعمل، يجد في الساعة 24 دقيقة إضافية» كنت وما زلت أحب العمل، لكني لا أحب الغرق فيه على حساب جوانب مهمة في الحياة، سمعت أيضًا أن اليابانيين يعانون من غرق العمل على حساب حياتهم الاجتماعية. الأمثال عن الطمع قديمة جدًا، وتُجدد مع الزمن، فلا يوجد زمن لم تكتب فيه أمثال عن الطمع، لأنه موجود مع وجود الإنسان، عن الطمع هذا المثل الهولندي: «من يصطاد سمكتين بيد واحدة، تسقطان معًا في الماء». أخيرًا هذا المثل العربي على لسان المتنبي عن أولئك الذين يطيلون العتب، لأنهم يريدون الكمال في الآخر «تريدُ مهذبًا لا عيبَ فيه .. وهل عودٌ يفوحُ بلا دخانِ؟».