2025-09-22 | 13:58 تقارير

كأس إنتركونتيننتال.. وُلدت بين قارتين.. غرقت في العنف.. وعادت بروح جديدة

جدة ـ محمود وهبي
مشاركة الخبر      

يبدأ فريق الأهلي الأول لكرة القدم، مساء الثلاثاء، رحلته في كأس القارات للأندية بعد فوزه بدوري أبطال آسيا للنخبة، مايو الماضي، ويواجه بيراميدز المصري في تحديه الأول، طامحًا لحجز مقعدٍ أمام الفائز من القارتين الأمريكيتين في التحدي الثاني، وصولًا إلى النهائي الحلم أمام باريس سان جيرمان منتصف ديسمبر المقبل.
وتُعدُّ النسخة التي يشارك فيها الفريق الأهلاوي ثاني نسخ البطولة تاريخيًّا تحت مسمَّاها وشكلها الحالي، إذ أطلق الاتحاد الدولي لكرة القدم ما يُعرف بـ «كأس إنتركونتيننتال» عام 2024 بعدما أعلن الاتحاد عن إطلاق الشكل الجديد لكأس العالم للأندية بمشاركة 32 ناديًا عوضًا عن الشكل القديم لمونديال الأندية، الذي كان يشبه إلى درجةٍ كبيرةٍ الشكل الحالي لكأس القارات، لكن الجذور الأولى للمسابقات بين أبطال القارات تعود إلى ستينيات القرن الماضي عبر مسابقةٍ، حملت الاسم نفسه، أي «كأس إنتركونتيننتال»، ولو أنَّها اقتصرت فقط على فريقين من قارتين، ودون مباركةٍ من الاتحاد الدولي.
وبالعودة إلى كتاب التاريخ، تقول صحيفة «تريبونا دي إيمبرينسا» البرازيلية: إن فكرة «كأس إنتركونتيننتال» ظهرت للمرة الأولى عام 1958 بعد لقاءٍ بين جواو هافيلانج، رئيس الاتحاد البرازيلي حينها، وجاك جوديه، الصحافي الفرنسي الشهير، فيما أعلنت صحفٌ برازيليةٌ وإسبانيةٌ، في 9 أكتوبر 1958، عن ولادة البطولة رسميًّا، تزامنًا مع ولادة كوبا ليبرتادوريس، أي مسابقة الأندية الأشهر في القارة الأمريكية الجنوبية.
وجرت النسخة الأولى من كأس إنتركونتيننتال عام 1960 بمبادرةٍ من الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، ودعمٍ من الاتحاد الأمريكي الجنوبي، وكان الهدف منها تحديد بطل العالم بعد مواجهةٍ بين بطلي القارتين، لكن الاتحاد الدولي لم يتبناها، إذ رفض منذ نعومة أظافرها أن يتم تنظيمها، لكنْ عدَّها المشاركون فيها مباراةً وديةً.
وتوِّج ريال مدريد بلقب النسخة الأولى عام 1960 بعد فوزه على بينيارول الأوروجوياني إثر مواجهتي ذهابٍ وإيابٍ بين مونتيفيديو ومدريد، فذهبت صحيفة «موندو ديبورتيفو» الإسبانية لوصف ريال مدريد ببطل العالم، لكنها نوَّهت في الوقت نفسه إلى غياب أندية القارات الأخرى.
وأخذت البطولة اهتمامًا عالميًّا، واكتسبت شعبيةً أكبر بعد مشاركة فريق سانتوس البرازيلي في نسخة العام 1962، وتحديدًا لحضور الأسطورة بيليه في قائمة الفريق، إذ دك بيليه شباك بنفيكا البرتغالي بخمسة أهدافٍ بين مواجهتي الذهاب والإياب، لكنَّ البطولة أخذت منحنى آخر في النصف الثاني من الستينيات نتيجة شغب الجماهير في الأرجنتين والأوروجواي في مباريات كوبا ليبرتادوريس، والمعاملة السيئة التي تعرض لها البرازيليون في كأس العالم 1966، لتقرِّر الفرق البرازيلية مقاطعة المسابقات الدولية، ومن بينها كأس إنتركونتيننتال.
وكانت كأس إنتركونتيننتال ضحيةً كبيرةً لعنف اللاعبين والمشجعين في هذه الفترة فقد شهدت نسخة 1967، التي جمعت سلتيك الإسكتلندي وراسينج الأرجنتيني، طرد خمسة لاعبين قبل أن يحلَّ موعدٌ أكثر سوداويةً في نسخة 1969، إذ فاز ميلان الإيطالي بثلاثيةٍ نظيفةٍ على إستوديانتيس الأرجنتيني ذهابًا على ملعب سان سيرو، لكنْ لاعبوه عاشوا ليلةً مضطربةً إيابًا في بوينس آيرس.
وفي لقاء العودة، رمت جماهير إستوديانتيس مشروباتٍ ساخنةً على لاعبي ميلان عند دخولهم الملعب قبل أن تشهد المباراة تدخلاتٍ عنيفةً بالأقدام والأكواع ضد لاعبي ميلان، ولعل الضحية الأبرز كان نيستور كومبين، وهو لاعبٌ أرجنتيني، يحمل الجنسية الفرنسية في صفوف ميلان، فوُصف بالخائن، وتعرَّض لكسرٍ في الأنف وعظام الخد نتيجة تعرُّضه للكماتٍ وركلاتٍ من ألبرتو بوليتي ورامون سواريز من الفريق الآخر، كما ألقت الشرطة الأرجنتينية القبض عليه لعدم تأديته الخدمة العسكرية الإلزامية في الأرجنتين.
وبعد المباراة، كتبت صحيفة «لا جازيتا ديللو سبورت» الإيطالية، أن هذه المواجهة في بوينس آيرس كانت أشبه بـ «90 دقيقةً من الصيد البشري»، فيما عدَّ الإعلام الأرجنتيني، أن الإنجليز كانوا على حقٍّ اعترافًا بمقولة ألف رامزي، مدرب المنتخب الإنجليزي، الذي وصف لاعبي المنتخب الأرجنتيني بـ «الحيوانات» على حد تعبيره، في كأس العالم 1966. وأخذت السلطات الأرجنتينية ما حدث على محمل الجد، فتم إيقاف بوليتي مدى الحياة، مع حكمٍ بالسجن لمدة شهرٍ، كما تم إيقاف سواريز 30 مباراةً.
واستمرت معاناة كأس إنتركونتيننتال في السبعينيات، فقد رفض أياكس الهولندي، بطل أوروبا، المشاركة في نسخة 1971 اعتراضًا منه على أعمال العنف، ثم شارك في نسخة 1972، ولو أن يوهان كرويف، نجمه وأسطورته، هُدِّد بالقتل من جماهير إندبندينتي الأرجنتيني حينها. وتُوِّج أياكس بلقبه الثالث على التوالي في دوري أبطال أوروبا عام 1973، لكنَّه رفض مجددًا خوض كأس إنتركونتيننتال.
وجاء الدور بعد أياكس على بايرن ميونيخ الألماني، الذي تُوِّج بدوره بلقب دوري أبطال أوروبا ثلاث مراتٍ متتالية بين 1974 و1976 حيث رفض المشاركة في نسخة 1974 من الكأس، ولعل رفضه كان لمشاركة إندبندينتي أيضًا من الجانب الأمريكي الجنوبي، ثم رفض النادي البافاري مجددًا المشاركة في العام التالي للسبب نفسه قبل أن يشارك في نسخة 1976 عندما واجه منافسًا برازيليًّا، وليس أرجنتينيًّا.
ورفض ليفربول الإنجليزي مواجهة بوكا جونيورز في نسختي 1977 و1978، وتكرَّرت مسألة رفض الأوروبيين في مناسباتٍ أخرى، في حالاتٍ شهدت حضور وصيف بطل أوروبا، مثل ما حدث في نسخة 1979 عندما شارك مالمو السويدي، وواجه أولمبيا من الباراجواي في لقاءٍ زاد من متاعب كأس إنتركونتيننتال، إذ شهدت المباراة التي استضافها مالمو في السويد حضور خمسة آلاف مشجعٍ فقط، لتصف صحيفة «موندو ديبورتيفو» البطولة بـ «كلبٍ بلا مالك».
وفي تلك الفترة، كانت هناك محاولاتٌ وأفكارٌ، هدفت لتحسين شكل البطولة، أبرزها من صحيفة «ليكيب» الفرنسية، لكنَّ الاتحاد الدولي استمر في تجاهلها إلى أن جاء التحول الجذري الأول عام 1980 عندما دخلت شركة «تويوتا» على الخط راعيةً للبطولة، لتستضيف اليابان مباراةً نهائيةً واحدةً بين بطلي القارتين عوضًا عن مواجهتي ذهابٍ وإيابٍ. واستمرت البطولة على هذا النحو حتى عام 2004، فأغلقت أبوابها بعد ولادة كأس العالم للأندية بتنظيمٍ من الاتحاد الدولي.
وإذا كانت كأس القارات الحالية، التي يشارك فيها الأهلي، تشبه من ناحية الاسم كأس إنتركونتيننتال بين 1960 و2004، فإنها تشبه من ناحية الشكل والمضمون ما عُرِفَ بكأس العالم للأندية، والحديث هنا ليس عن النسخة الأخيرة التي شارك فيها الهلال، الصيف الماضي، وإنما عن البطولة التي نظَّمها الاتحاد الدولي للمرة الأولى عام 2000، وطرحها سيلفيو برلسكوني، رئيس نادي ميلان السابق، منذ العام 1993 بمشاركة أبطال جميع القارات.
واستضافت البرازيل النسخة الأولى من كأس العالم للأندية عام 2000 بمشاركة فريق النصر، حامل لقب كأس السوبر الآسيوي حينها، لكنْ البطولة حديثة الولادة غابت بعد ذلك لأسبابٍ ماديةٍ، وعادت عام 2005 بعد انتهاء رواية كأس إنتركونتيننتال، فنُظِّمت منذ ذلك الحين بشكلٍ سنوي، ودون انقطاعٍ، بما في ذلك استضافة السعودية نسخة 2023 التي كانت الأخيرة بمشاركة أبطال القارات بعد أن أقدم الاتحاد الدولي على توسعة كأس العالم للأندية، وإشراك 32 ناديًا فيها، تزامنًا مع تنظيم الاتحاد، منذ العام الماضي، بطولةً سنويةً خاصةً بأبطال القارات، تحت اسم كأس إنتركونتيننتال.