يفتخر سعوديو كرة القدم الأمريكية بولعهم بها، كما يفتخر اتحاد اللعبة بأنها ستصبح أولمبية في 2028، وكأن العالم ينتظر بفارغ الصبر هذه اللحظة التاريخية. من مظاهر هذا الافتخار أن قناة SSC نقلت للموسم الرابع على التوالي مباراة السوبر بول، ولم تكتفِ بمجرد البث، بل أوفدت مراسلًا إلى قلب الحدث، وأعدت استوديو تحليليًا محترفًا، وكأننا أمام نهائي كأس العالم. وبعيدًا عن أي حسابات تجارية أو استثمارية محتملة، يبقى السؤال الثقافي الأكثر إلحاحًا: لماذا كل هذا الإصرار على نفخ روح هذه الرياضة في بيئة لا تعرف عنها شيئًا؟ ولماذا يتمظهر بعض شُهْب الجزيرة العربية بهوسهم بلعبة الرجال البيض في الولايات المتحدة، وكأن ارتباطهم بها نوع من إثبات الذات أمام العالم؟، أو نداء لهم: نحن نشبهكم.
الأمر ليس مجرد رياضة، بل نموذج من التصدير الثقافي الأمريكي، حيث تُستخدم الرياضة وكأنها حصان طروادة جديد. وهذا ليس استنتاجًا عبثيًا، بل خلاصة ما يطرحه جيرالد جيمس في كتابه «الغزوة الرياضية: الرياضة والإمبريالية الثقافية الأمريكية. The Athletic Crusade: Sport and American Cultural Imperialism». تشرح الدراسة كيف ساهمت الرياضة في تمدد الإمبراطورية الأمريكية منذ تسعينيات القرن التاسع عشر حتى الحرب العالمية الثانية. يوضح جيمس أن الذكور البيض البروتستانت الأنجلو ساكسونيين وضعوا معايير القبول في المجتمع الأمريكي، ثم نقلوا هذه المعايير إلى الخارج عبر الرياضة، التي أصبحت وسيلة ناعمة لفرض قيمهم.
وحسب المؤلف، فبدلًا من إرسال الجيوش، كانت كرة البيسبول وكرة القدم الأمريكية تقوم بالمهمة، تحمل معها مفاهيم التفوق العرقي والانضباط الأخلاقي والقيم التجارية. وبالطبع، لم يكن الأمر سلسًا دائمًا، إذ تكيفت الشعوب الخاضعة لهذا التأثير بطريقتها الخاصة، بل إن بعضها استخدم الرياضة لمقاومة الهيمنة البيضاء، وإعادة تعريف هويته بعيدًا عن النموذج الأمريكي المفروض.
يستعرض الكتاب تأثير الرياضة الأمريكية في هاواي، والفلبين، وبورتوريكو، وكوبا، وجمهورية الدومينيكان، حيث نجح المشروع هناك إلى حدٍ كبير. لكن عندما حاولت هذه الرياضات التسلل إلى الصين واليابان، اصطدمت بجدار ممانعة ثقافية قوي، إذ لم تكن شعوب تلك الدول بحاجة إلى «مكارم» الرجل الأبيض.
أما اليوم، ومع تسارع ما بعد العولمة، يستمر هذا المدّ الثقافي الأمريكي، ليصل إلى استوديو يقع في قلب الرياض، حيث يُعاد إنتاج ذات القصة القديمة، ولكن بوجوه جديدة. السؤال هنا ليس عن أحقية سعوديين في متابعة أي رياضة يريدونها، بل عن السبب الذي يجعل كرة القدم الأمريكية تمنح هذا الاستحقاق رغم أنها لا تحتل حتى الهامش في قائمة الرياضات المفضلة عربيًا. هل لمجرد استعراض الحداثة؟ أم استجابة غير واعية لإيقاع التصدير الثقافي الأمريكي؟ قد نشاهد يومًا ما دوريًا سعوديًا لكرة القدم الأمريكية، وربما حينها فهمنا اللعبة جيدًا داخل الملعب، وجهلنا لعبتها الخارجية.
الأمر ليس مجرد رياضة، بل نموذج من التصدير الثقافي الأمريكي، حيث تُستخدم الرياضة وكأنها حصان طروادة جديد. وهذا ليس استنتاجًا عبثيًا، بل خلاصة ما يطرحه جيرالد جيمس في كتابه «الغزوة الرياضية: الرياضة والإمبريالية الثقافية الأمريكية. The Athletic Crusade: Sport and American Cultural Imperialism». تشرح الدراسة كيف ساهمت الرياضة في تمدد الإمبراطورية الأمريكية منذ تسعينيات القرن التاسع عشر حتى الحرب العالمية الثانية. يوضح جيمس أن الذكور البيض البروتستانت الأنجلو ساكسونيين وضعوا معايير القبول في المجتمع الأمريكي، ثم نقلوا هذه المعايير إلى الخارج عبر الرياضة، التي أصبحت وسيلة ناعمة لفرض قيمهم.
وحسب المؤلف، فبدلًا من إرسال الجيوش، كانت كرة البيسبول وكرة القدم الأمريكية تقوم بالمهمة، تحمل معها مفاهيم التفوق العرقي والانضباط الأخلاقي والقيم التجارية. وبالطبع، لم يكن الأمر سلسًا دائمًا، إذ تكيفت الشعوب الخاضعة لهذا التأثير بطريقتها الخاصة، بل إن بعضها استخدم الرياضة لمقاومة الهيمنة البيضاء، وإعادة تعريف هويته بعيدًا عن النموذج الأمريكي المفروض.
يستعرض الكتاب تأثير الرياضة الأمريكية في هاواي، والفلبين، وبورتوريكو، وكوبا، وجمهورية الدومينيكان، حيث نجح المشروع هناك إلى حدٍ كبير. لكن عندما حاولت هذه الرياضات التسلل إلى الصين واليابان، اصطدمت بجدار ممانعة ثقافية قوي، إذ لم تكن شعوب تلك الدول بحاجة إلى «مكارم» الرجل الأبيض.
أما اليوم، ومع تسارع ما بعد العولمة، يستمر هذا المدّ الثقافي الأمريكي، ليصل إلى استوديو يقع في قلب الرياض، حيث يُعاد إنتاج ذات القصة القديمة، ولكن بوجوه جديدة. السؤال هنا ليس عن أحقية سعوديين في متابعة أي رياضة يريدونها، بل عن السبب الذي يجعل كرة القدم الأمريكية تمنح هذا الاستحقاق رغم أنها لا تحتل حتى الهامش في قائمة الرياضات المفضلة عربيًا. هل لمجرد استعراض الحداثة؟ أم استجابة غير واعية لإيقاع التصدير الثقافي الأمريكي؟ قد نشاهد يومًا ما دوريًا سعوديًا لكرة القدم الأمريكية، وربما حينها فهمنا اللعبة جيدًا داخل الملعب، وجهلنا لعبتها الخارجية.