|


فهد عافت
وحيد حامد ومسلسل الجماعة: الخطأ والتّخطّي!
2017-07-03

- لماذا لم يكتفِ الإنسان بالمرايا؟، ولماذا لم تتمكّن الكاميرا الفوتوغرافيّة من إزاحة الرسم كفن؟، وأسئلة قليلة أخرى كانت كفيلة، فيما لو وُجِدَتْ لها إجابات منحازة لنظريّة المُحَاكَاة بإقناع،.. الإبقاء على نظريّة المُحَاكَاة، نظريّةً وحيدة للفن، فإن لم تكن الوحيدة فالأُولى على الأقل، غير أن النظريّة تجرّعت سُمَّ الأسئلة دون ترياق إجابات وافية في صالحها، فزاحمتها نظريات أخرى كثيرة، وتقدّمت عليها مسافات طويلة في مضمار الحُجَج؛ الأمر الذي تراجعت معه المُحاكاة كنظريّة فنيّة إلى مراتب متأخَّرة، وإن ظلّت محتفظةً بأولويَّتها التاريخية، كأقدم نظريات الفن على الإطلاق!.

 

- نظريّات الفن الأصيلة، لا تموت، وإنْ زاحَمَتْها نظريات لاحقة، والمُحاكاة التي جعلت من التشابه مع الطبيعة شرطها النهائي، وعلى أساسه بَنَتْ سُلَّم درجاتها؛ فالرسم الأكثر شبهًا بما هو موجود ومُعَايَنْ في الطبيعة، هو الرسم الأعلى قيمةً، والأحق بالإعجاب وبوصف الجميل، لم تكن عبر شرطها وسُلَّمها، عبثية وفاقدة للأصالة؛ لذلك بقيت حيّة وستظلّ، وإنْ زاحمتها نظريات أخرى فلأنها استفادت منها، وبنَتْ عليها، وأجابت على الأسئلة التي أعْجَزَتْها فصارت وكأنها لائحة اتّهامات بخصوصها!.

 

- لكل نظريّة فنيّة، أو مذهب نقدي وجمالي، أسئلته المُقلِقة تغريبًا، والمُغْلَقة تقريبًا!، وليس في هذا ما يُعيب النظريات والمذاهب الفنيّة والجماليّة، وبالرغم من أن حياة أي نظرية أو مذهب، تتطلب الاستماتة في الدفاع عنه، وتقديم حُجَج بقاء مُعْتَبَرَة، وأدِلّة كافية، إلا أنه ما مِنْ نظريّة تدّعي أنها الوحيدة القادرة على كشف كل شيء، إلا وتموت سريعًا بعد أن تجلب كميّة من السخرية عليها، والتهكم على أصحابها، بالقدْر الذي يسمح للكوميديا باستغلالهما فيما بعد للتندّر والإضحاك!.

 

- ما حدث هو أن نظريّة المُحَاكَاة، ذابت في كل ما بعدها من نظريّات، هي مخبوءة، ويبدو أنها ستظل، في كل مذهب، ولا يمكن لذائقة مهما عَلَتْ، بل مهما أعلنت رفضها لها، البراءة منها تمامًا!، وحتى الآن ومن بين جميع الفنون، لا يبدو أنه لغير الموسيقى القدرة على الزّعم بعدم تمكّن المُحاكاة منها، وحتى في هذه الحالة، لا ضمانات مؤكَّدَة لصحّة الزَّعْم وسلامة الادّعاء!.

 

- في المسرح، والدّراما عمومًا، يظهر أثر المُحَاكَاة جليًّا، وحين تكون الدراما خليطًا بين الأدبي والتاريخي، يكون حضور مذهب المُحاكاة جليًّا، كأنه لم يفقد من بريقه ولا من رزانته شيئًا!، ذلك أن مفاتيح الشرط الجمالي للمحاكاة، المانحة في نهاية الأمر للحكم الفني والقيمة الجمالية، لا تعمل إلا على أساس المُقارَنة بين العمل الفني الحاضر وبين تاريخه الملموس والمشهود له وبه، مع اعتبار أصيل في النظريّة لأصالة ما هو سابق و"خارج" نطاق المُنجَز الفنّي، واعتماد هذا "الخارج" عن نطاق العمل الفني سيّدًا للعمل الفنّي من "الدّاخل"، بمقدار خضوعه له يكسب قيمته!.

 

- الدراما حتى وإن كانت تاريخيّة، فإنها وبصفتها دراما، تكون عملًا أدبيًّا وفنيًّا، يكون شرط المُحاكاة فيها مُلزِمًا بعدم الخطأ وليس بعدم التّخطّي!.

 

- واجَه الكاتب والسيناريست وحيد حامد هذا المأزق بصلابة، بعد الجزء الثاني من مُسلسله "الجماعة"، عبثًا حاول أن يُبيّن لمُنتقديه، ولسائليه في البرامج التلفزيونية، أن الفن ليس محاكاة خالصة، وأن الدراما حتى وإن كانت تاريخية، فإنها فن وليست تاريخًا، وأنها وإن قَبِلَت بشروط المُحاكاة، فإن ذلك لا يعني الترديد الحرفي المُطلَق لما هو خارج العمل الفني، وإلا فما فائدة الفن، بل ما الفن أصلًا؟!.