|


فهد عافت
الغرور ذبّاح!
2017-09-07

وقعتُ في شر أعمالي، هي ذاتها: وقعت في "نشر" أعمالي!، وإليكم الحكاية:

 

ـ طرنا من الفرح، والبهجة التي امتلأت بها الصدور، فاضت على العيون فدمعت، وعلى الأيادي فلوّحَتْ وصفّقَتْ ورفرفَتْ، وعلى الخُطى فانطلَقَتْ، وعلى الأجساد فتطاوَلَتْ شَغَباً، وتمايَلَتْ لعِباً، وتراقصَتْ طرَباً، وتساقطَت رُطَباً، الدروب فَرِحَتْ، والحناجر صَدَحَتْ، كانت ليلة من ليالي العمر أحضاناً وألحاناً، وبالنسبة لي فقد تأكدت من ثلاثة أمور، اثنان منها يمكن توقّعهما، وقد وقعا: أن الفرح الغامر طارد عجيب للنوم والنعاس، وأنه فاتح شهيّة للأكل والكلام!، الأمر الثالث هو المفاجأة، وهي مفاجأة ليست سارّة رغم أنها مضحكة، ذلك أنني اكتشفت أنه ما مِنْ أحدٍ تقريبًا من أصدقائي المقرّبين يقرأ مقالاتي أو يتابع حقًّا ما أكتب في هذه الزاوية!.

 

ـ يا لغروري!، كنتُ قد تعوّدتُ على إرسال مقالتي اليوميّة لعدد من الأصدقاء، عبر الواتساب، يقترب العدد من الثلاثين، كنت أفعل ذلك ظنًّا مني أنني أسهّل لهم الأمر وأختصر عليهم البحث، مع بقاء أملي في أن تروق لهم كتاباتي، لا أطلب ردًّا، غير أنه وفي الغالب تصلني ردود جلّابة انتشاء ومباهج، وكنت أسعد بها: "راااائع، جميل، مدهش"، وعبارات تتخللها مثل هذه الكلمات الباذخة!، أمس كانت المفاجأة!.

 

ـ كانت مقالة الأمس عن قصيدة عمر بن أبي ربيعة العجيبة "نُعْم"، وبالصدفة البحتة، وافق عنوان المقالة فوز منتخبنا الكبير والتأهل المستحق للمونديال الحلم، كان العنوان: "قصيدة هي أعظم فيلم وأروع مباراة كرة قدم"!، ويا لهذه الصدفة كم ورّطتني وكم أحرجتني مع نفسي ومع كثير من هؤلاء الأصدقاء، أكثر من نصفهم، كتب كلمات قريبة مما بين القوسين: "مقالة رائعة وألف مبروك!، جميل أنت حين تشاركنا فرحة الفوز!، مبرووووووك تستاهل!، نعم المنتخب يستحق!"،...!!.

 

ـ سنة كاملة وأنا أتلقّى مثل هذه الرسائل!، أمس فقط اكتشفت أنني كنت أُثقل على أصحابي، وأنني ورّطتهم في مجاملات صباحيّة لا حاجة لهم بها!، من الثلاثين تقريبًا.. لم يقرأ المقالة غير ثلاثة تقريبًا أيضًا!،..

 

ـ لستُ حزينًا، أنا فقط خجل من نفسي؛ لأنني أوقعت أحبتي في حرج، وقد كان عليّ أن أكون أكثر تهذيبًا، وأقل غطرسةً، وأكتفي بنشر رابط المقالة في شبكات التواصل العامّة، لمن يريد القراءة، أما الأماكن الخاصة مثل "الواتساب"، أو أي بريد خاص، فهذه غطرسة فعلاً، وبجاحة!، والغرور ذبّاح!.

 

ـ آخر رشفة من الفنجان:

 

"وفي لحظهْ..

سِكَتّ عن الكلام وكنت متأمِّلْ..

في جلّاسي يتيه التّيهْ!

وقال اللّي جلس في الزّاويه: كَمِّلْ!..

وقالت لي الزوايا: ليه؟!"