|


حمود السلوة
مهادنة.. مع الموت
2011-11-18
أمس الأول كان يوماً حزيناً بالنسبة لي.. فقدت فيه (ابن أختي) فايز نخيلان الشمري (20 سنة) في حادث مروري مروع فارق فيه الحياة في الحال، كانت حالة مريرة وصعبة اختلطت فيها حبات الحنظل مع لهاث الشمس.
ـ لم يكن (فايز) يرحمه الله بالنسبة لي مجرد (ابن أخت) ولم يفقده والده ووالدته وإخوانه وأخواته بل افتقدته حفيداتي (ياسمين) و(سولاف) و(إيلاف).
ـ قالت ياسمين: فقدنا عمي فايز الذي كان يذهب بنا دائماً إلى الملاهي، والسوبر ماركت، وحدائق المراجيح.
ـ سيكون الشاطئ مهجوراً بغياب (فايز) حين تكرر (ياسمين) سؤالاً كالسكين: (يبه.. وين راح عمي فايز؟).. كانت (ياسمين) عشبة برية.. وسنبلة شمالية تطل برأسها قائلة: (عمي فايز مات).
ـ هنا لا تتقطع فقط أنفاسك بل تتقطع أنفاس الطريق الذي ابتلع فايز في لمح البصر.
ـ رحل (فايز) إلى جوار ربه مع الشهداء والصديقين والأبرار بإذن الله.
ـ رحل قبل أن يبدأ موعد محاضرته الثانية في كلية التربية بجامعة حائل بعد أن سجل عليه الدكتور المحاضر غياب المحاضرة الأولى.
ـ لكن إرادة الله سبحانه وتعالى كانت الأقرب والأسرع عندما طارت سيارته بالهواء مثل جرم فضائي في هذا الفضاء الواسع.
ـ إنه (الموت) يا صاحبي.. صديق الجميع حين يكون قدري أن أفقد بين حين وآخر الكثير من الأقارب والأصدقاء.
ـ حتى أصبح ظهري مثل سبورة الفصل يكتب عليها رفاقي تفاصيل أحزانهم ومآسيهم بطباشير حادة كالسكاكين.
ـ (الموت) الذي يحضر بلا موعد، ويدخل بلا استئذان.. (الموت) الذي يرفعك إلى سلم الصبر والإيمان والاحتساب.
ـ الموت الذي (غيب) فايز أمس الأول هو نفسه الموت الذي يأتي دون أن يتوكأ على عكاز.
ـ أما (الحياة) فهي ليست (نصراً) دائماً.. (الحياة) مهادنة مع (الموت)، والخوف يا صاحبي ليس من (الموت).. الخوف من (الحياة) الناقصة.
ـ (الموت) هبة من الخالق للأقوياء والضعفاء، للأغنياء والفقراء.
ـ لكن السؤال:
لماذا للحزن ذاكرة أقوى من ذاكرة الفرح؟ بعد أن أصبح (الموت) ومناسبات العزاء أحد مشاغلنا اليومية؟
ـ يا الله..
حتى والدة فايز (شقيقتي) فقدت أجنحتها على قوتها وأصبح من السهل أن أحصي الآن عدد الريش المتبقي في أجنحة شقيقتي (أم عبدالعزيز) لأن الشيء الوحيد الذي لا تستطيع أن تتحايل عليه هو (الموت).
ـ (الموت) الذي يجفف ينابيع الفرح حتى أصبحنا نعرف في تضاريس الطين وغبار أتربة المقابر.. أكثر مما نعرف عن لوازم الفرح.
ـ (الموت) الذي يشبه البرد الذي لا يهزمه الدفء.. برد يبقى بداخلنا مهما تدثرنا عنه.. برد يهزمنا ولا نهزمه.
ـ رحم الله (فايز) والعزاء لكل العيون التي فاضت بالدمع.
ـ بعد رحيلك يا فايز.. سيطول النهار.. وسنوقظ الشمس من غفوتها كلما غربت.
ـ مكتوب علينا يا (فايز) أن نلهوا بهذه الدنيا وننسى أن (الموت) يحاصرنا.
ـ (الموت) الذي قالت فيه شقيقتي: إنه المكان الذي تحدده جغرافية عواطفي وسط هذه المقبرة التي تحتضن والدي وإخواني وأخواتي وابني (فايز).
ـ ففي هذا الزمن يا شقيقي لا تجد بيتاً لا ينزف الدمع، لكنك تجد من يترك لك الأبواب مشرعة لتستمتع بنبضات قلبك المتسارعة خاصة عندما تكون محاصراً بعذابات الفقد والغياب والفراق.
ـ رحمك الله يا فايز رحمة واسعة بحجم كل القلوب والعيون التي بكتك.