|


بدر السعيد
دموع «دالما»
2020-12-06
في آخر أيام نوفمبر الماضي، أراد التاريخ أن يتوقف.. وكان للمشهد وقعه على قلوب عشاق الكرة، بل عشاق الرياضة والحياة معاً.. في ذلك المساء تصدرت اللقطة عقول الرياضيين قبل أعينهم.. تسابق الكل على نشر تعليقه تجاه اللحظة بكل ما احتوته من معان وذكريات، والكثير من الحزن..
في ذلك المساء كان استاد ألبيرتو خوسيه أرماندو شاهداً على “حالة” إنسانية” انطلقت من روح الرياضة، وجسدت حنينها لرجل صنع لها الكثير وعاش حيناً من الدهر بين جدران الكرة وشبابيكها.. في ذلك المساء كان لإحدى شرفات الملعب موعداً مع الحزن والكثير من الدموع.. وأعني بها أغلى شرفات بلاد التانغو قاطبة، حيث كانت تقف “دالما” وحدها بعد أن افتقدت الشرفة صاحبها الذي ملأ الدنيا وشغل الناس لعقود من الزمن ولا يزال..
في ذلك المساء لعب البوكا مباراته أمام “نيولز أولد بويز”، ضمن جولات كأس السوبر ليغا، ولكن دون حضور “دييغو أرماندو مارادونا” هذه المرة، إذ لم يكن في شرفته الخاصة سوى “دالما” ابنة الثالثة والثلاثين عاماً ومعها سيل من الذكريات والدموع والشوق، حيث لم يكن بصحبتها هذه المرة والدها الذي أوقف العالم يوماً على قدم..
بعد تسجيل كاردونا هدف البوكا الأول اتجهت عيناه إرادياً إلى تلك الشرفة، بينما اتجه جسده لا إرادياً إلى الخط المقابل لذات المكان الذي كان يجلس فيه داهية البوكا وأسطورته الخالدة.. المكان الذي بكى فيه دييغو كثيراً للفرح تارة وللحزن تارة أخرى.. المكان الذي كانت الكاميرات تخصص لها مواقعها وعدساتها والكثير من وقتها واهتمامها.. المكان الذي شهد ردود أفعال دييغو المثير للفرح والجدل في آن واحد..
في ذلك المساء كانت دموع “دالما” حاضرة، وكأن حزنها على فراق والدها يحيط بها للمرة الأولى، فقد كان المشهد هو التعبير الأمثل لفراق نجم البوكا في أرض البوكا وأمام مدرج البوكا الذي غاب عنه كبيرهم الذي علمهم السحر الحلال..
وحتى أكون واضحاً أكثر، فقد تعمدت الإشارة إلى أن الأسطورة “مارادونا” كان مثيراً للإعجاب والجدل في آن واحد، فالرجل بالنسبة لي ذو شخصيتين وأكثر من مرحلة.. لكني أقصد بمديحي له ذلك الإرث “الفني” تحديداً دون الخوض في شخصيته الجدلية ونمط حياته بكل مراحلها خارج الملعب، إذ إن كل إعجابي به لا يتجاوز أرض الملعب بلمساته وإبداعاته وإنجازاته وعبقريته التي سبقت وقتها كماً وكيفاً.. ولكل اختياره فيما يريد أن يتذكر..

دمتم أحبة.. تجمعكم الرياضة.. ويحتضنكم وطن..