|


فهد عافت
مقالة و«تْعَدِّي»!
2021-03-23
- لقيتهُ متحرِّجًا في الرّد، يقول: اسمح لي، لا أقرأ لك بشكل دائم!. قلتُ: هذا هو الطبيعي والمُنتظَر. لا أظنّ أنّ هناك كاتبًا يوميًّا يُقرأ له بشكل دائم. وهو محظوظ إنْ حظيَ بأربعة أو خمسة قُرّاء يتابعونه بشكل يومي كل صباح، خاصّةً إنْ كان هذا الكاتب بمؤهّلاتي ومستواي. لا حَرَج!.
- على الكاتب اليومي أنْ يكون ممتنًّا لهذا العدد من القرّاء، وألا يعتبره قليلًا أبدًا!. شخصيًّا، أُقدِّر لهؤلاء القرّاء مثابرتهم وما يحيطونني به من وِدّ، وهذا كثير عليّ. في المُقابِل: لا يمكنني غير الامتنان أيضًا، للقارئ غير الدّائم، وللقراءة غير المتواصلة!.
- ففي حين أنّ القارئ الدّائم، المُستمِر، يحيط الكاتب بمحبّة مؤازِرَة، فإنّ القارئ المتقطِّع يُشكِّل أهمية قصوى أيضًا فيما يخصّ الرّفد!.
- القارئ اليومي، والكاتب اليومي، يتشابهان في نهاية المطاف!. يصير من الصّعب على أحدهما تقييم الآخر، بعيدًا عن العاطفة المنحازة للعِشْرَة اليوميّة!.
- يصعب على القارئ اليومي لكاتب يومي، معرفة فوارق التطوّر أو التأخّر، التّنامي أو التّناوم!، في أسلوب الكاتب، وفي الطريقة التي يتناول بها مواضيعه!. تمامًا مثلما يظنّ كلّ واحدٍ منّا بمعرفته لما أحدثت الأيام في شكله من تغيّرات، لكنه وما إن يلتقي بصورة فوتوغرافيّة قديمة له، حتى يعرف أنه لم يكن يعرف!. وأنّ المرايا ليست صادقة تمامًا!.
- القارئ غير الدّائم، يَقْدِر على معرفة الفوارق أكثر!. والأهم هو أنّ إحساس الكاتب بوجود هذا القارئ المتقطِّع، القارئ الزّائر مقابل القارئ صاحب الدّار، من شأنه إبقاء الكاتب مستَفَزًّا، بانتظار حُكم جديد عليه!.
- القارئ، صاحب الدّار، يحكم بالمُجمَل، بينما القارئ الضّيف، الزّائر في أوقات يختارها بنفسه، يحكم بالتفصيلات وبناءً عليها!. هذا يجعل الكاتب حذرًا على الدّوام، فالقارئ الزّائر لا ينتظر، ولن ينظر لغير هذه الكتابة التي وقعت بين يديه. إن لم تكن جميلة ومُشبَعَة أقام حكمه على هذا الأساس!.
- والكتابة اليوميّة كما هو واضح من اسمها: فن ووظيفة!. الكتابة: فن، لكن “اليوميّة” وظيفة!.
- في البداية قد يتم الاتفاق مع كاتب على مكافأة، أو راتب، أو أجر، مِن قِبَل المطبوعة، بناءً على التقدير الأدبي “الفنّي” له، لكن هذا الكاتب، فيما بعد، لن يتسلّم هذا الأجر إلا بناءً على “يوميّته”!، شأنه شأن أي عامل يومي!.
- هذه مسألة لا يُمكن لها إلا أن توضع في الحسبان، وهي متى ما وُضِعَتْ، ومع مرور الأيام، فإنّ الكاتب اليومي قد لا يجد مزاجًا، ولا موضوعًا مناسبًا للكتابة. كذلك قد لا يجد لغةً مُعبِّرة، ومع ذلك هو ملزم بتسليم المقالة، الأمر الذي قد يجد معه الكاتب ضرورة التحايل على نفسه والتساهل في فنّه، وتقديم مادّة كتابيّة تُنصف “العامل” فيه، لا العمل!. قد يقول في نفسه: مقالة و”تْعَدِّي”!. وهو متى ما قالها، وعمل بها: دَحْدَر!.
- القارئ غير المُنتظِم، والأصحّ: شعور الكاتب بوجود هذا القارئ غير المُنتظِم، يُمكنه إنقاذ الكاتب من مثل هذه الدّحْدَرة!. فهذا القارئ، جديد دائمًا!، وهو لا يتعامل مع الكتابة التي بين يديه على أنها “مقالة وتْعَدِّي”!، بل على إنها كلّ ما قام به الكاتب منذ وُجِد تقريبًا!.
- استحضار مثل هذا القارئ، ولو في الخيال، بل وبالذّات في الخيال، يُبقي الكاتب متيقّظًا، مُستَفَزًّا، ومُسْتَنْفَرًا، يكتب كأنه يكتب للمرّة الأولى والأخيرة!.
- مرَةً سُئل “دييغو مارادونا” عن رفاقه في المنتخب الأرجنتيني، قال: عليهم أن يتعلّموا كيف يتصرّفون وكأنّ الكُرَة التي تصل لأحدهم هي الكُرَة الأخيرة له في الملاعب!.