صفحات من سيرة شيخ الرياضيين وصاحب المشروع الرياضي الوطني الكبير

ـ وصلتني عبر الهاتف رنة حزن عميقة من ابننا الأستاذ أحمد بن عبد الرحمن بن سعيد ينبئني بنبأ انتقال والده الأخ العزيز الأثير إلى نفسى المرحوم عبد الرحمن بن سعيد الى الرفيق الأعلى ، كان صوت الابن معجوناً بالبكاء والدموع ، وكان يبدو متأثراً جداً بفقد أغلى الناس ، وقلت له الدعاء .. الدعاء .. الدعاء ، انه ماض إلى جنات الخلد .
ـ وعلى الفور اتصلت بأخي الأستاذ نبيه ساعاتى رئيس المركز الإعلامي بنادينا الاتحاد واقترحت عليه أن ينشر العميد عزاء ادارييه ولاعبيه وجماهيره لفقد علم من أعلام الرياضة السعودية ، وعلى الفور بلغني أن أخى الأستاذ محمد بن داخل رئيس مجلس إدارة نادى الاتحاد اتصل بالابن أحمد ابن سعيد وعزاه باسم كل شرائح الأسرة الاتحادية .
ـ والحقيقة أنني لا أعزى نفسى فقط في وفاة هذه الهضبة الرياضية العملاقة ، وإنما أعزي جميع الرياضيين في كل أنحاء المملكة والعالم العربي على فقدنا لهذا الإنسان وهذا العملاق الذي أثرى الرياضة السعودية والخليجية والعربية في كل مواقعها الرياضية والإدارية والقيادية.
ـ قبيل أيام قلائل اتصلت بالرياض وسألت كعادتي عن الصديق الأستاذ عبد الرحمن بن سعيد ، فقيل لي إنه ينام قرير العين في العناية المركزة ، وطبعاً استفزني الخبر ، ومكثت أفكر في كل شيء حتى غبت في مشاغلي الخاصة .
ـ وحينما استيقظت وكنت لا أزال أضع جسدي المكدود على المرتبة لاحت في ذهني صورة أخي الصديق الأستاذ عبد الرحمن بن سعيد ، فرفعت حواجبي إلى أعلى وجالت عيناي في سماء الدنيا الرحيبة ، وأخذت أدعو الله سبحانه وتعالى أن يمن عليه بالصحة والعافية ، ويبقيه في قلوب محبيه وعارفيه ــ وهم ُكثْر ولله الحمد ــ ثم أكملت دعاء المحبة ورجوت الله عز وجل بأن يكلأه بعين رعايته وعنايته ويلبسه ثوب الرحمة والعافية .
ـ وحينما أكملت الدعاء استعرضت شريط هذا الأستاذ المربى الفاضل الذي خدم الرياضة في بلادنا خدمة جليلة وارفة الظلال .
ـ ومن خلال مزاملتي للصديق العزيز تأكد لي أن هناك علاقة ذهبية بين ابن سعيد ومدينته الفاضلة الرياض ، فعبقرية المدن تخرج شباباً عبقرياً يسهمون في بناء مرافقها وجواذبها ، وعبقرية المكان جزء لايتجزأ من عبقرية الإنسان .
ـ وابن سعيد ولد في مدينة الرياض في عام 1346هـ وشرب من لبنها ومائها وعاش بين رمالها ووهادها ، وتدغدغ بحبها وحنانها ، واستطاع أن يعطى هذه المدينة الباسلة صفة العراقة في الرياضة , هو مثل أعلى على نَضَارة ووجاهة الرياضي وسموه وشموخه ، هو الذي قدم هذه الصورة الجميلة للرياضي وألغى كل الصور السلبية التي كانت شائعة عن الرياضيين ، كان ابن سعيد يؤمن بأن العمل الرياضى يقع في قلب التنمية الشاملة ، هو جزء من شموخ هذا الوطن ، ولم تكن الرياضة سقطة لا يعمل فيها إلاّ الدونيين ، عبد الرحمن بن سعيد متواضع في مظهره غير مسرف في أناقته ، بل غير مهتم بها أصلاً ، ومع ذلك نراه دائماً في كامل أناقته وعظيم لياقته ولباقته ، ليس هو بالطويل ولا بالقصير لكننا نراه عملاقاً في المجتمع ، النظر في وجهه يبعث على الراحة ، ومن عينيه ينطلق بريق المحبة والعطاء .
ـ هذا الوجه السمح الواضح القسمات الذي يحتفظ بكنوز من الخبرات والتجارب .. وجه يغري بالصداقة .. حتى وإن كنت تراه لأول مرة فسيخالجك اليقين بأنك تعرفه منذ سنين وسنين .
ـ عبد الرحمن بن سعيد مؤسس نادي الشباب ونادي الهلال ومؤسس قوي للحركة الرياضية في الرياض شيخ الرياضيين في المنطقة الوسطى.
ـ هذا الرجل عظيم في كل شيء، عظيم في رؤيته وعظيم في رأيه وعظيم في مساهماته وعظيم في قناعاته وإقناعه..
ـ رجل جمع في نفسه مميزات لا تجدها إلا في مجموعة رجال مميزين..
ـ كنت يومياً ألتقيه في نادي الهلال وكنت أحياناً أحضر معه تمارين الهلال، وكنت غالباً أتناول معه طعام الإفطار في بيته بحارة الظهيرة البيت الشامخ القريب من مقر نادي الهلال.
ـ كنت في تلك الأيام أمام رجل شامخ وأمام حارة شامخة وأمام شارع شامخ وأمام ناد شامخ هو الهلال.
ـ وهذا يعني أنني كنت أتلمس « الشموخ « في شخصية عبد الرحمن بن سعيد..
الأستاذ ابن سعيد يطلع الدكتور أمين ساعاتى على مسودة تاريخ الهلال
ـ وهذه الصفة انسحبت على مخرجات عبد الرحمن بن سعيد فأسس نادياً شامخاً هو الزعيم ، في وسط حارة شامخة هي الظهيرة، وفي شارع شامخ هو شارع الظهيرة.
ـ إنها عملية التفاعل بين الجغرافيا والتاريخ ، أو بين الزمان والمكان.
ـ يومها سألت نفسي ما هي العلاقة بين هذا المؤسس وهذه المدينة المشعة ، وهذا الشارع ، وهذه الحارة وهذا النادي.
ـ إن العلاقة يمكن اختصارها في عبارة واحدة هي « الشموخ « فعبد الرحمن بن سعيد رجل يتصف بالشموخ فكان لابد أن تكون مخرجاته شامخة ، ولذلك كي يبقى الهلال شامخاً يجب أن يولد في المكان الشامخ ويسكن الشارع الشامخ ويعيش في المدينة الشامخة..
ـ وإذا كان المؤسس شامخاً والمكان شامخاً والشارع شامخاً والمدينة شامخة، فلابد أن ينعكس هذا الشموخ على الكيان، فكان هلال الشموخ زعيماً ، وزعيماً يكتنز البطولات ويقف على منصات التتويج، ألم يقل أرسطو طاليس إن سكان الشمال أذكى من سكان الجنوب بفعل تأثير المكان!.
ـ لقد ترددت على العاصمة الرياض كثيراً وأنا أكتب تاريخها الرياضي مرات عديدات ، ولعبت مع نادي الشباب وكتبت بحثاً عن الفرسان الثلاثة (عبد الرحمن سعيد، محمد الصائغ، عبد الله بن أحمد) ، ولم أعرف أن المقالة قد سكنت في قلوب الفرسان الثلاثة حتى أصبحت لوحة خالدة يحفظها الثلاثة عن ظهر قلب .
ـ وفي الرياض كنت أزور القيادات الرياضية في بيوتها وفي مقرات أنديتها وفي ملاعبها وأواجهها بكل ما لدي من جديد وأطلب منها الاستزادة مما عندها من ذكريات ووقائع، كنت أسأل عن الشارع الذي يقع فيه النادي، ولماذا هذا الشارع بالذات، وأسأل عن الحي الذي كان يقع فيه النادي ولماذا هذا الحي، وكنت أقف في الشارع وأشم ترابه وأتحدث إلى ناسه وأتفحص حجارته وأعصر طينه وماءه وهبابه، أبحث عن رائحة التاريخ وليس عن التاريخ فحسب.
ـ حينما سكنت العاصمة الرياض مبتعثاً إلى معهد الإدارة كنت ألتقى يومياً الأخ الصديق عبد الرحمن بن سعيد والمرحوم عبد الله بن أحمد والصديق صاحب السمو الملكي الأمير عبد الرحمن بن سعود ـ رحمه الله ـ ، والأستاذ عبد العزيز الغامدى والمرحوم محمد عبد الله الصائغ أحد مؤسسي النادي الأهلي الجداوي وأحد مؤسسي الحركة الرياضية في الرياض وأحد أصحاب ملعب الصائغ الشهير الذي سمي باسمه .
ـ ومن خلال وجودي بجوار شيخ الرياضيين الرائد عبد الرحمن بن سعيد تعرفت على إنجازات وتجارب نادرة وجوهرية ، ولولا وجودي في الرياض بجوار عبد الرحمن بن سعيد وزملائه لما عرفت ما عرفت وتوصلت إلى ما توصلت وكتبت ما كتبت..
ـ وأقول حقيقة إن عبد الرحمن بن سعيد كان يحب الرياضة ويعشق الرياض ويبذل من أجلها الغالي والنفيس، والرجل كان يصرف الأموال ويدفع الرواتب ويتحمل التكاليف لوحده وكان المال بالنسبة لبناء الأندية رخيصاً عند عبد الرحمن بن سعيد ، يدفع ولا يسأل ، يصرف ولا يتكلم ، يبذل ولا يتحدث ، يعطى ولا يكل ، يٌغدقُ ولا يشُحْ .
السيرة الذاتية لعبد الرحمن بن سعيد بخط يده
ـ وعبد الرحمن بن سعيد لم يكن هلالياً فقط بل كان صاحب بصمات رياضية على كثير من أندية الرياض ابتداء من الشباب والهلال والنجمة والنصر وغير ذلك من أندية الوسطى الغابرة والباقية.
ـ كان يدعم كل الأندية ويبحث عن حركة رياضية شاملة حتى أندية المنطقة الغربية استفادت من خبرات عبد الرحمن بن سعيد ومن أموال عبد الرحمن بن سعيد ، وأخص بالذات النادي الأهلي الذي كان اسمه نادي الثغر وتولى عبد الرحمن بن سعيد رئاسة الثغر.
ـ الأستاذ عبد الرحمن بن سعيد أسس نادي الاتفاق بجدة وترأس القلعة الخضراء الأهلي بجدة، بل خدم نادي الوحدة وقدم له عدداً من نجوم الكرة آنذاك كالطيب حربي والشقيقين يوسف وعبد الوهاب مندبة وأعاد إسماعيل فلمبان إلى الوحدة، ولذلك عرضت عليه العضوية الشرفية في نادي الوحدة، أي أن عبد الرحمن بن سعيد كان عضو شرف في نادي الوحدة.
ـ وقبل ذلك أسس نادي الشباب بالرياض وأسس نادي الهلال الزعيم وكان لاعبا فيهما، وشارك في دعم الكثير من أندية العاصمة الرياض، وأسهم في وضع أسس الحركة الرياضية في مدينة الرياض منذ التباشير الأولى.
سيظل تاريخ ابن سعيد يمثل حقوقه الدائمة المشروعة في التاريخ الرياضي لهذا الوطن الغالى.
ـ إن قصة عبد الرحمن بن سعيد مع تاريخ كرة القدم بدأت حينما كان واحداً من أهم الذين أسهموا في إدخال لعبة كرة القدم إلى المنطقة الوسطى وكان أحد الأعضاء في فريق الموظفين أول فريق نشأ في الرياض.. وكان يسافر بين الفينة والفينة إلى المنطقة الغربية من المملكة العربية السعودية.. ويمارس هذه اللعبة مع الفرق التي كانت منتشرة في مدينة جدة ، ثم يعود إلى الرياض حاملاً الدعوة بإنشاء فريق الشباب ، ولقد تعرض ابن سعيد لكثير من الضغوط حتى يعدل عن تطلعاته بإنشاء الفرق الرياضية في العاصمة الرياض إلا أن مواهبه كانت أقوى من الضغوط.. حتى تمكن من إنشاء نادي الشباب في عام 1367هـ (1947م) وكان معه حمزة جعلي ومحمد مكي وصالح ظفران وعبد الله أخضر. ولقد دار خلاف حول المؤسس الحقيقي لفريق الشباب بالرياض هل هو عبد الرحمن بن سعيد أم هو محمد مكي ، ولكن المرجح أن ابن سعيد بما كان له من مال ونفوذ ولعب كان أقوى المساهمين في إنشاء الشباب، بيد أنه في البداية كان يستبعد اسمه عن الأضواء حتى لا يكون مكان نقمة عائلته المتدينة ، وأستطيع أن أؤكد إن ابن سعيد هو المؤسس الأول لنادى الشباب ، وزكّى هذا الرأي عبد الحميد مشخص أمام الأستاذ حمزة فتيحي عند زيارتهما لي في بيتي بحي الروضة بمدينة جدة ، ولقد استمرت مساهمات ابن سعيد في تأسيس الأندية ونشر الرياضة في المنطقة الوسطى إلى أبعد من تأسيس الشباب.. إلى استغلال الانقسام الذي نشب بين إدارة الشباب في عام 1377هـ (1957م) فأسس من الشباب فريق «الأوليمبي» الذي تغير اسمه بأمر من الملك سعود يرحمه الله إلى الهلال.. وهو الآن الزعيم .. الزعيم النادي الأكبر الذي حصد بطولات متعددة محلية وخليجية وعربية وقارية حتى أصبح ناديا بعيداً عن دوائر المقارنة.
ـ ولقد ترأس عبد الرحمن بن سعيد مجالس إدارات نادى الهلال لفترات طويلة ، وبالإضافة إلى تأسيس الأندية شارك ابن سعيد في اللجان والإدارات الرياضية.. فكان عضواً في اللجنة الرياضية منذ انتقال الشئون الرياضية إلى وزارة المعارف في عام 1380هـ (1960م) وهذه اللجان كانت بمثابة اتحادات فرعية لكرة القدم.. ثم شغل منصباً رفيعاً في الإدارة العامة لرعاية الشباب، ثم موظفاً كبيراً في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، ثم أصبح ابن سعيد المؤسس وعضو شرف نادي الهلال.. ويضاف إلى هذا فإن ابن سعيد له مساهمات تاريخية واسعة في الصفحات الرياضية ولديه قدرات جيدة في تسجيل ورصد الأحداث الرياضية أولاً بأول..
ـ من اللجان التي شارك فيها عضو اللجنة الرياضية الأولى المشكلة بقرار وزير المعارف بتاريخ 27ـ 4ـ 1381هـ حيث كانت وزارة المعارف يومذاك المشرفة على النشاط الرياضي الأهلى بالمملكة العربية السعودية.
ـ وكان ابن سعيد عضو اللجنة الرياضية بوزارة العمل والشئون الاجتماعية بتاريخ 15ـ 9ـ 1382هـ حينما انتقل إليها الإشراف والإدارة على النشاط الرياضي الأهلي بالمملكة.
ـ كما أن ابن سعيد كان عضواً في إدارة الصندوق الرياضي مع كل من الأستاذ عمر عبد ربه من المنطقة الغربية والأستاذ ناصر القلاف من المنطقة الشرقية برئاسة الأمير خالد الفيصل المدير العام لرعاية الشباب آنذاك.
ـ وعضو في اللجنة المشكلة للمشاركة في معسكرات دورة المغرب العربي التي أقيمت في تونس.
ـ وعضو في اللجنة المكلفة بدراسة وتحديث اللوائح والأنظمة الخاصة برعاية الشباب في عام 1393هـ
ـ حتى أصبح عضواً في اللجنة الأوليمبية السعودية.
ـ منح ابن سعيد وسام الرئاسة العامة لرعاية الشباب باعتباره أحد الرواد المؤسسين للحركة الرياضية في المملكة العربية السعودية في حفل أقيم لجميع الرواد المؤسسين في مدينة جدة أثناء فعاليات الدورة الإسلامية الأولى في عام 1426هـ (2005م) بمدينة جدة برعاية الأمير سلطان بن فهد الرئيس العام الأسبق لرعاية الشباب.
ـ في عام 1387 ه (1967م) بدأ ابن سعيد يهتم بالجانب الثقافي في الأندية الرياضية جنباً إلى جنب مع النشاط الرياضي ، فأصدر الأستاذ عبد الرحمن بن سعيد رئيس مجلس الإدارة قراراً بتعيين أمين ساعاتي رئيسا للجنة الثقافية. ولعل أهم ما قامت به هذه اللجنة هو إصدار مجلة أسبوعية باسم الهلال وجدت صدى واسعا في الأوساط الإعلامية، ومنذ هذا التاريخ بدأت المنافسة تشتعل بين الهلال والنصر ، ولعبت المجلتان اللتان كانتا تصدران عن الهلال والنصر دوراً كبيراً في إشعال حمى المنافسة بين الناديين العريقين ، ولقد بدأت الأندية الأخرى في إصدار مثلها ثم قامت اللجنة بعرض الأفلام الثقافية وتنظيم العديد من المحاضرات التي أحضرت لها من جميع مناطق المملكة كوكبة من رجالات الفكر والأدب كالأساتذة عبد الوهاب عبد الواسع وعبد الله بن خميس ومحمد حسن عواد وعبد الله المسند وعبد الله عريف وعبد الله نور.
ـ مما سبق نلاحظ إن عبد الرحمن بن سعيد ليس بشخصية رياضية فحسب ، بل هو صاحب مشروع رياضي وطني متكامل الأرجاء يبدأ بتأسيس الأندية وتشجيع السعوديين على الانتماءات الرياضية ، ثم العمل على رفع كفاءة المستوى العام للرياضة ، وصولاً إلى تحقيق البطولات ، فهو يرى إن الرياضة السعودية هي جزء لا يتجزأ من بطولات المملكة العربية السعودية التي أرسى دعائمها (على البطولات) المغفور له بإذن الله الملك المؤسس البطل عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ، وطالما أن الرياضة نشأت في مملكة البطولات فلا بد أن تكون صاحبة بطولات ، ولذلك فإن َقَدَرْ الرياضة من َقدَرْ المملكة ، وإذا لم تحقق الأندية البطولات فإن هناك خللاً يجب علاجه ، لنأخذ نادى الشباب ونادى الهلال اللذين أسسهما ابن سعيد نجد إن هذين الناديين العملاقين حققا الكثير من البطولات ، أي إنهما أندية بطولات ، في مملكة البطولات ، ولذلك فإن مشروع ابن سعيد الرياضي يبدأ بتأسيس الأندية وينتهى بحتمية تحقيق البطولات .
ـ ولأن عبد الرحمن بن سعيد صاحب مشروع رياضي وطني ، فهو لم يعط الوظائف الإدارية التي تقلدها الكثير من وقته كما أعطى الرياضة الوطنية ، فقد تقلد الكثير من الوظائف الحكومية أولها العمل في الديوان الملكي في عهد الملك سعود رحمه الله ، ثم ذهب إلى مناصب إدارية رفيعة ومتعددة ، فعمل مديراً لمكتب العمل بمنطقة الرياض ، وكان همه الأول توظيف الشباب في مؤسسات القطاع الخاص ، ورأيت خطابات تصدر من مكتبه بتوظيف الشباب بالأمر المباشر ، ثم عمل في الرئاسة العامة لرعاية الشباب لفترة وجيزة جداً ، ولكنه للأسف أصيب بخيبة أمل وتأذى كثيراً من البيروقراطية الرياضية وغادرها إلى إحدى الوظائف الرفيعة في ديوان مجلس الوزراء وظل فيها حتى بلغ سن التقاعد ، فتقاعد عن العمل الإداري ليستمر في مسيرة بناء الأندية القائمة على تحقيق البطولات .
ـ إن شخصية ابن سعيد لا تكفيها هذه العجالة ، وإنما تحتاج إلى دراسة علمية عميقة تسبر أغواره لتصل إلى إجابة على سؤال حائر وهو : لماذا عشق الرياضة ، ولماذا اختار مشروع نشر الرياضة من باب تأسيس الأندية في مجتمع يؤمن بأن الرياضة ممارسة غير محمودة ، السؤال بسيط ولكن الإجابة تحمل معها نظرية اجتماعية ذات أبعاد رياضية تتمحور حولها البطولات الإنسانية!!\
ـ عبد الرحمن بن سعيد كان يحارب في مجتمع يعتبر الرياضة أمرا مكروها ، وإن لاعبها ومزاولها ومديرها يستحقون أشد أنواع العقاب ، ولكن مع ذلك لم يستسلم عبد الرحمن بن سعيد ، بل ظل يصارع حتى حقق النصر وأصبحت الأندية في مدينة الرياض وما حولها من المناطق والمدن ملء السمع والبصر ، حتى أصبحت الرياضة واجهة مشرفة للوطن وكل أبناء الوطن .
ـ ولعبد الرحمن بن سعيد الذي حفل تاريخه بتجارب رائعة في تأسيس الأندية المتفوقة فلسفة واضحة في تحقيق التفوق تتلخص في أن بناء النادي يجب أن يقوم على أبنائه ، وإن التفوق الرياضي لا يبنى إلاّ على المواهب ، المواهب في اللاعبين ، والمواهب في الإداريين ، والمواهب في الإعلاميين والمواهب في البيروقراطيين الحكوميين الذين يجب أن يصدروا الأنظمة بعبقرية التفوق .
ـ إن عبد الرحمن بن سعيد سبيكة ذهبية نادرة يجب أن ندرسها ونقدرها حق قدرها .
مؤرخ رياضي