نسيت من قال ذلك، لعلّه أمبرتو إيكو، والقول تقريبًا: “الإكثار من استخدام الكليشهات الثابتة والمكررة، دليل على عدم قدرة صاحبها على التفكير!”.
ـ مشكلة الجُمل المعلَّبة، أو حتى شبه الجمل، ليست فقط في أنها تكشف كم هو الأسلوب مصطنع، أو أنها متى ما زادت عن حدّها صارت باهتة كصفحة مدرسيّة أو نصيحة طبيب عام!، أظن أن مشكلتها أكبر، وأغرب، فمع مثل هذه العبارات المحفوظة عن ظهر قلب، يصبح من الصعب، وربما من المستحيل، أنْ يَصِحّ التعبير!.
ـ أوّل صحة التعبير أنْ يكون صادقًا، وليكون كذلك يلزمه أنْ يكون خاصًّا!.
ـ والمحفوظ المُشترَك لا يمكنه أنْ يكون خاصًّا، وبالتالي فإنه لا يمكن له أنْ يكون صادقًا!. وفيما يخص الأساليب، فإنّ ما لا يمكنه أن يكون صادقًا، لا يمكنه أنْ يكون حقيقيًّا ولا صحيحًا!.
ـ قد تكون المعلومة حقيقيّة، لكني لا أتحدث عن المعلومة، أتحدث عن التعبير عنها!، وقد تكون الحسبة صحيحة، لكني لا أتحدث عن الحسبة، أتحدث عن الأسلوب الذي بواسطته يمكن تحويلها إلى فكرة أو مادّة للتّدبّر!.
ـ لنفترض أُمًّا، أو أبًا، يحكي أحدهما لأطفاله قصة كل ليلة، وفي كل ليلة يبدأ القصة بـ “كان يا ما كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان”. ثم بعد شهرين أو أقل، يقرر أن يحكي لهم حادثة حصلت له قبل يومين، لكنه ينحتها على شكل قصة، في الغالب سوف يلقى اعتراضًا تنبيهيًّا من أحد أطفاله: “نسيت أن تقول كان يا ما كان...”!.
ـ الطفل الذي حفظ “التوليفة” نسي معناها!، صار يريد ترديد الحروف والإيقاع، هذه الـ”آن” الرنانة والمكررة أربع مرات هي ما يهمّه، ليعرف أنك تحكي قصة!. دون معرفة ولا اهتمام بمعنى أي كلمة منها، حينها لا يمكنك أن تكون صادقًا بالنسبة لكما معًا، إنْ قلت “... في قديم الزمان..” كذبت، فزمن الحكاية الحقيقي أكثر طراوة!، وإن أخبرته بعدم وجوب قول “... وفي سالف العصر والأوان” صعب عليه تصديق أنها قصّة!.
ـ ولربما قضى المرء حياته كلها في جلب مفاهيم، وفي فهم مجاليب، بالطريقة نفسها، لا يقدر على استيعاب بارقات أفكار جديدة، وهو حتى لو شهد وأقرّ بصحة معلومة جديدة، فإنه سوف يحشرها حشرًا في طريقة فهم قديمة ومُستهلَكَة، ليُخرجها من جديد، يشوّهها وتشوِّهه!.