ـ من الصعب القول إنني لا أتفق مع "عضوان الأحمري"، فهو كاتب رشيق، ومفكّر عميق، ومغرِّد أنيق، لكنه غرّد على حسابه في تويتر، مشاركًا في هاشتاق "السينما في السعوديّة": "هي في كل بيت، وكل جهاز، وكل استراحة وكل فندق. هي في الشاشة والأجهزة الذكية، اليوم أصبحت لدينا في شاشات أكبر"!.
ـ رأيي أنّ هذا كلام غير صحيح، وأنه لمن يحبون السينما أمثالي، كلام في السطح وعليه!، يشبه أن يعلّق أحدهم على مسألة السماح للمرأة بقيادة السيارة قانونيًّا، فيقول: "هي تتنقل حرّة، تذهب وتجيء، وتقضي مشاويرها كيفما تريد، فقط كانت تستعين بسائق، واليوم استغنت عنه، وأصبحت هي التي تسوق"!.
ـ كِلتا المسألتين، أعمق بكثير، وأهم، وكان غيابهما أخطر!، وفيما يخص السينما تحديدًا، أسجّل ملاحظتين وأكتفي بهما:
ـ الملاحظة الأولى: السينما كمكان تجمّع، وترفيه، شيء آخر تمامًا؛ فالمسألة ليست مسألة مشاهدة فيلم فقط، وحتى لو كانت كذلك، فإنّ مشاهدة فيلم سينمائي في غير صالة سينما حقيقيّة، أمر يُنقِص من الفيلم ذاته، ومن الشعور به، ومن الاندماج معه، الكثير.. الكثير!.
ـ السينما كمكان للمشاهدة والترفيه، تسهم بشكل فاعل، في تأسيس أدب اجتماعي، وأخلاقيات جديدة عظيمة التهذيب، في وسَط أي تجمّع بشري!،.
ـ المسرح يفعل ذلك أيضًا، لكن لأنّ السينما أكثر استمراريةً؛ فهي ما إن تبدأ حتى لا تتوقّف!، فإنها تسهم في ذلك بفعالية أكبر، محققةً نتائج أسرع، تصبّ فيما بعد في مصلحة كل تجمّع، وفي كل تجمهر!، بما في ذلك المسرح، وأكاد أقول: بما في ذلك ملاعب كرة القدم!.
ـ الخروج من البيت لمتابعة فيلم في صالة عرض سينمائية: عُرْس صغير!.
ـ الملاحظة الثانية: حالة الإظلام!، تُظلِم القاعة شيئًا فشيئًا، فيشعر المشاهد بالتّحرّر شيئًا فشيئًا، هذه المرّة ليس تحررًا جبانًا، ولا قصير مدىً، هو تحرّر من الجميع في حضورهم، والسماح لهم برحابة صدرٍ تصنعها قاعة السينما، بأن يتحرروا، بعيدًا عن أي خوف من التلصّص والإزعاج والمؤاخَذَة!.
ـ حالة الإظلام التي هي جزء أصيل من كل قاعة وفي كل صالة سينما، تفعل الأعاجيب في النفس البشرية، بعضهم يعتبرها علاجًا لِعِلَلٍ لا يعرفون كثيرًا منها!، وتتيح للمُشاهِد الدخول في قلب الفيلم السينمائي، يصير جزءًا منه؛ الأمر الذي يشبه في واحدة من فروقاته، الفرق بين متابعة مباراة كرة قدم في التلفزيون وبين متابعتها في الملعب:
ـ جمهور الملعب، يشعر، وشعوره صادق، أنه جزء من فريقه، أنه يلعب أيضًا؛ ولذلك ربما يكون شعوره بالفوز أو الخسارة، أقل توتّرًا وعنفًا، وملامةً، من المشاهد التلفزيوني للمباراة!.
ـ كل من شاهد مسرحيّةً في غير مسرح، لم يشاهد المسرحيّة!، وكل من تابع فيلمًا سينمائيًّا في غير سينما، لم يشاهد الفيلم!.
ـ كل خلق الله تقريبًا، يعرفون أن المرأة ذات الذراعين غامضة التبسّم هي "الموناليزا"، وعلى هذا الاعتبار يجيبون بنَعَم، حين يكون السؤال: هل شاهدت الموناليزا؟!. غير أن مشاهدة لوحة دافينشي الأشهر هذه لم تتحقق فعليًّا، إلّا لمن ذهبوا إليها في متحف، واقتربوا منها، حتى كادت أعينهم تخدش الألوان، أحسّوا بوقع ضربة الفُرشاة هنا وهناك، بقوّتها وبحميميتها في كل موضع!.
ـ هذا ما يجعل من "اللوفر" في أبوظبي، نقلة ثقافية وفنية وحضاريّة بمعنى الكلمة، وأبعد!.