|


فهد عافت
صُدْفة النقد خير من مواعيده!
2017-11-16

 

 

 

لا تقرأ كناقِد، أو على الأقل لا تحضر حفلة القراءة مصطحباً الناقِد فيك فقط، أحضر معه الولد الذي يشتهي اللعب، وأحضر المتأمِّل، كنْ ثلاثة على الأقلّ، وإلّا فإنك لن تحظى بحفلة ممتعة، وإنْ كانت ممتعة فإنك ستقوم بتعكير جوّك وجوّها. باختصار لن تكون قارئًا.

 

ـ الناقد الحقيقي، هو ذلك الذي يتأمّل في النص، ليتأمّل من جديد في نظريّاته ومعتقداته السابقة، وليس هو ذلك الذي يحضر بنظرياته وآرائه المسبقة، يتأبّطها كأنها كشف حساب، ويقرأ النص بهدف التدقيق فيه حسابيًّا ورقابيّاً، وبغاية تنقيحه أو إصدار حكم قضائي عليه.

 

ـ متى ما شعرتَ أنك فوق الكتاب، فوق العمل الفنّي، فتوقّف، وراجع نفسك، لا تراجع الكتاب ولا العمل الفني، قل لنفسك بترحاب ومصالحة: ما ليَ اليوم، أنظر إلى الشيء ولا أنظر فيه، أراقبه ولا أتأمّله؟!.

 

ـ أنْ أكون قارئًا، قارئًا فقط، دون أي صفة لاحقة ومُضافة، هذا أمتع ما في دنيا الأدب، أنْ أكون متلقيًّا للفن، متلقيًّا فقط، هذا أمتع ما في دنيا الفن.

 

ـ الحِسّ النقدي حين يأتي من تلقاء نفسه، من فيض كأس التأمّلات غير الهادفة لشيء بعينه، يكون حسًّا نقديًّا شديد العافية، مَرِحًا طيّبًا، وسخيّ الإشراقات. كل ما عدا ذلك هَوَس صحفي.

 

ـ والمسألة ببساطة أنْ تكاشف نفسك: لماذا أقرأ؟، لأستمتع وأفهم وأحب وأسعد: يا لجمالك، وهنيئًا لك. لكن إنْ كانت الإجابة: لأتحدّث للناس عمّا أقرأ، لأشتغل في الصحافة وأكتب مقالات حول ما أقرأ، لألتقي بمثقفين وتتساوى الرؤوس: لكَ ما تريد، لكنك لن تكون أجمل من صاحب الإجابة الأولى، لا أجمل ولا أبسط، ولا أكثر تصالحاً مع الذات.

 

ـ هل يعني هذا أنْ لا تتحدّث، أنْ لا تقول رأيك، لا، وأنا على خطأ ولم أحسن التعبير إنْ فهمتَ مني ذلك، كل ما قصدته يا صاحبي وببساطة، أننا فيما لو حضرنا فيلمًا سينمائيّاً بهدف نقده فقط، فإننا سنضيع وقتنا في المراقبة لا في التّأمّل.

 

ـ وأننا ما دمنا لم ننس ذواتنا، أطول فترة ممكنة من العرض، ونعيش مع أحداث الفيلم، فلسوف تصعب علينا رؤيته.

 

ـ دقق واحكم بنفسك: كل كتاب، فيلم، أغنية، عمل فني، تربطك في صاحبه علاقة مباشرة، لا يمكن لك التعامل معه بأريحيّة مناسبة، إنْ كنتَ لا تحبه تنتظر زلّة، وإن كنت تحبه تراقب أداءه بحذر وأمنيات، كلا الأمرين يمنعان من القراءة الطيبة، ومن التّلقّي البهيج.

 

ـ لذلك ربما، لا أقبل إعطاء رأي في نص يطلب مني صاحبه ذلك، لأنني باختصار: لا أعود قادراً على نفض التفكير في الطلب وصاحبه. بمثل هذه الطلبات يتم تغييب المتعة، يصير الأمر واجبًا، وأصير ناقدًا بقفزة غير موفّقة.