|


فهد عافت
‏والصّبح في أوّله!
2017-11-15

 

 

 

ـ الذين يحققون أحلامهم في سنّ مبكرة، يشيبون قبل لُقْيَا الأوان.

 

ـ يترهّلون والصبح في أوّله، سواء كانت أحلامهم ذليلةً سهلة المنال فتمّ نَوالها، أو كانت جليلةً صعبة المنال لكنهم بجهدٍ أو بوافر حظٍّ، نجحوا في الوصول إليها.

 

ـ النوع الأوّل ينال عقابه لأنّه قَصُرَ المدى والنظر، لم يؤمن بقدرته على التجاوز، لم يكن مُؤهّلًا لاستقبال شبابه بما يكفي من طموح وجسارة وأحلام وحيوية وعمل، رَضِيَ بما هو بين يديه، أو بما هو قريب من يديه، قَبِل بالفُتَات في موسم الأرغفة، ظنّ أنّ ليس من حقه أولًا، وليس في مقدوره ثانيًا، أن يحظى بما هو أكثر.

 

ـ لأوّل وهلةٍ، يبدو أن كثيرين مثلي، لا يستغربون مثل هذه العقوبة لهذا النوع، نشعر أنّه جزاءٌ عَدْلٌ، لكننا ننتظر بشيء من رَفْع الحاجبين استغراباً، لأنّ ذاتَ العقوبة ينالها النوع الثاني من الناس، كيف وهو النوع النقيض؟!.

 

ـ لكن يبدو أنّ الحياة المَرِحَة، الصاخبة، الجيّاشة، تُعاقب النوع الثاني بما هو أمَرّ، لنقل نفس الدهاء والمرارة، غير أنّ النوع الأول من الناس محميٌّ بجهله، فهو أقلّ من أن يعرف مَاهِيّة الدهاء أو طعم المرارة، يكفيه ما فيه، لكن ولأنّ النوع الثاني جدير بمعرفة الشّهِيّ المُستطاب، فهو جدير بمعرفة المَرَارَات، والجدير بالمعرفة جدير بالتجرّع.

 

ـ يُعاقَب النوع الثاني، بالمشيب المبكِّر، لأنّه فَطِنْ إلى نِعمةٍ، وغفل عن نِعمة.

 

ـ فَطِن إلى جموح الشباب وإمكانيّة ركوب الصعاب وغياب الاستحالة، فشكر الله على أحلامه بتحقيقها، لكنه غَفِلَ عن أنّ الحياة ما طالت به إلّا لمزيد من توهّجات نجاحات جديدة، لائقة به وبمهاراته، غير أنّه اكتفى.

 

ـ كلاهما يشعر بالمَشيب، بأنّ الحياة صارت مجرّد ذكرى، مصيبة الجسورين المؤهّلين أعسر وأوْقَر، ذلك لأنّ الذكرى لسّاعة سياطٍ وقد أعطوا الدنيا ظهورهم.

 

ـ النوع الأوّل يصبح نَصّاحًاً، يهرب مما لا يعرف أنه فضيحة إلى ما يظن أنه نصيحة. يظن أنّ له الحق في النصح فقد نجح في تحقيق ما يريد، وهو في سهوٍ دائمٍ عن القيمة الفعليّة لهذه المُرادات.

 

ـ النّوع الثاني يُمسي أشدّ خطراً، حتى وإن بدا أقلّ إملالًا في حديثه من النوع الأوّل. يأخذ شكل السخط من الحياة، لشعوره المهين بأنه ركض في الفراغ واللا معنى فترةً أكثر مما توقّع وأطول مما يجب. وهو إنْ لم يسخط يظل صموتاً، وفي عينيه نظرة خاسرة قبل أنْ تكون حائرة.

 

ـ أنتَ لا تعرف منتهاك، فأجهل حدود أحلامك، وأحرث الأرض والسماء، لا عناق إلا في نهاية الرواية.

 

ـ لا يملك عيناً بصيرةً، من يرى يدهُ قصيرة.

 

ـ قف ولكن لا تتوقف، لا تضع ولا تحدد سقفاً، راقب حروف الكلمة وتذكّر أن في آخر كل سقف: .. قِفْ!. إيّاك أن تأتمِر.