في مجتمعنا الكروي، تجد في الأغلب من يدافع عن الأخطاء ويعظم من شأن المخطئين، ويتستر على المتسببين والمشاركين في ارتكابها؛ ولذلك أسباب تختلف من طرف لآخر، لكن في مجملها تجتمع في أنها تحقق مصلحة خاصة أيًّا كان نوعها.
والدفاع عن الهجوم في أصله مخالف للمنطق، إذ إن الطبيعي التصدي للهجوم إلا في عرف الخطط الكروية، التي تتبنى فكرة أن الهجوم خير وسيلة للدفاع؛ لأنها في أساسها حالة تعادل يجوز فيها البحث عن الكسب الذي تقوم عليه قاعدة التنافس.
وأسوأ حالات الدفاع عن الهجوم عندما يكون "ظرفيًّا"، يتغير حال اختلاف موقع المهاجم من الحادثة، إذ لا يلبث أن يعود إلى موقع الدفاع حيث مصلحته، برغم ثبات الحالة، ولا يبالي رغم انكشافه؛ لأنه في الأصل مقر بميله وانحيازه حيث تصبح المسألة بالنسبة إليه إظهار قدرته على مناصرة ما يريده ومحاربة من يظاهره ويعاديه.
مثل هذا الطرح وهو السائد، هو ما يجعل الحق مرًّا في حلوق أهله، والباطل مظلومية في نظر من هم عليه ويوسع من دائرة الجدل الذي يتسلى به بعضهم، ويسترزق منه بعضهم الآخر، ويؤرق الباحثين عن الحقيقة ويوجعهم، والأخطر أنه يضعف عزم أصحاب القرار ويجبرهم على التماهي بين التطبيق والتوافق، بحيث يبدو الأمر أشبه بأب يرغب في حل نزاع بين أطفاله على قطعة حلوى؛ ليرضيهم جميعًا وينعم بقيلولته!.
اتحادات الكرة في كل بلاد الدنيا جهات تشريع وتنظيم وإشراف، لا تختلف عن بعضها إلا في قدرات كوادرها العاملة إذا ما افترضنا أنها بقوانين ولوائح أساسية موحدة، تضمن الحد الأعلى من التزام وخضوع كل من يقع تحت مظلتها، وتتحمل تطبيق ما أضافت اللوائح من بنود وفقرات لا تخالف القواعد الرئيسية للاتحاد الدولي، تقرها جمعياتها العمومية التي أنديتها هم أعضاؤها والحال كذلك.. فمن أين تظهر القضايا التي لا تجد ما يمكن أن تكون في صلب الأنظمة واللوائح والقوانين بتفسيراتها وملاحقها وتصبح محيرة وصعبة، تتسبب في تشكيل اللجان لحلها واستدعاء الحكماء للتفاوض عليها؟.
أعلم أن النصوص لا تحل بنفسها القضايا، وأن التفسيرات ليست ضمانة أكيدة، لكن التشخيص الدقيق المدرك للتفاصيل والمتوفرة له الحيثيات، ويتوفر له جمع الأدلة والحصول عليها، وفرصة التحقيق مع جميع الأطراف سيعود إلى النصوص التي ستمكنه من المعالجة والمقاربة واستنباط الأحكام وإصدارها بعد أن يستقر لها وجدانه وضميره ليدفع بها إلى درجة تقاضٍ أعلى، إذ لم ترضِ المختصمين وهو مطمئن قرير الفؤاد حتى لو تم نقضها فذلك لا يعيبه.
مركز التحكيم الرياضي حجة على اللجان القضائية، في إن تباطأت في إصدار أحكامها بشكل سريع وناجز، والعمل على تعظيم دوره من شأنه أن يشق طريقًا سهلاً للتخفيف من حدة الخلافات على عمل اللجان، ولكن لا بد من البدء في إنهاء الاختلاف على أنه السلطة القضائية الأعلى والنهائية، وهذا يتطلب المزيد من التعريف بدوره وآلية وأدوات عمله والكشف للإعلام والجماهير أن الأندية وقعت رسميًّا بالموافقة على أنه مرجعيتها القضائية الأخيرة، فقد يبدو أنها أيضًا لا تعلم!.