التفتيش في الماضي بقصد الحصول على ما يبرر خطأ جديد مضيعة للوقت، ولن يفيد في الإصلاح، هذه عادة يعمد لفعل مثلها من يهتمون بتحقيق انتصارات شخصية أو من يجدون قيمتهم في مماحكات ومناكفات إعلامية لا تقدم لكنها بالطبع تؤخر.
من بين القضايا التي كان يمكن حلها لولا التفتيش في الماضي، بقصد الحصول على مخرج لخطأ جديد، ديون نادي الاتحاد، ليس معنى ذلك أنه كان سيتم سدادها بالكامل في ذلك الوقت، ولكن بالتعاطي معها بوضوح وعدم مكابرة أو إنكار؛ ففي حينها كانت هناك لجان تقصٍّ وتقارير صحفية مدققة كشفت على نحو وآخر تسلسل الاستحقاقات الزمني، وبالتالي المسؤولين عن كل مرحلة حتى تراكمها إلى احتكام عقدتها، لكن بدلاً من محاولة تفكيك قنبلة الديون بحرفية ومسؤولية، فضل بعضهم وسمح لهم رسميًّا بـ "لخبطة" الأوراق والمعلومات، ونقض كل ما تم جمعه واستنتاجه.. كان ذلك بقصد التضليل من على منصات إعلامية مهيأة ضمنًا لعمليات التستر.
الخطأ الجديد الذي سيتم أيضًا ارتكابه هو حقيقة الديون المستحقة لأندية ولاعبين ووسطاء، بحجة أن مثله تم تمريره دون النظر إلى أن العملية التراكمية للسكوت عمن وراءها هي أصل المشكلة، من الطبيعي لأي منشأة أن تترتب على استثماراتها أو خدماتها مديونيات، لكن دون أن تكون بلا عنوان يمكن العودة إليه عندما يتطلب الأمر ذلك، وأعتقد أن هذه أكبر مشاكل أنديتنا جميعها والاتحاد خاصة؛ لأن إداراته انتهجت سياسة مالية مراوغة خلال الخمس عشرة سنة الماضية، ولأنها بلا عنوان ستظل أزمة الديون تطارد الاتحاد إلى ما لا نهاية.
كل المقترحات وحتى التي تحولت لقرارات بهدف كبح جماح الفوضى المالية أو تقليص المديونيات، أو عدم تحميل الأندية تكاليف مالية غير مبررة لم تفلح في تجلية الصورة بالقدر الذي يجعل متابعة تطبيق ذلك من جهة الجماهير أو الإعلام ممكنة، وعندما تم تحديد سقف أعلى للمديونيات تمنع بموجبها تسجيل اللاعبين أو سقف أعلى للعقود أو غيرها من القرارات، كان يتم الالتفاف على ذلك بالقدر الذي يجعل الأمر لا يبدو جديًّا أو غير مهم، والجميع يستند إلى التفتيش عن أخطاء الماضي ليبرر بها ارتكاب الجديد من الأخطاء.
الروائي التركي "أورهان باموق" الحاصل على عدة جوائز منها نوبل للآداب 2006م، جاء على توصيف في ثنايا كتابه "إسطنبول الذكريات والمدين"، قريبًا لما عليه منظرو الإصلاح والإدارة دون أن يفعلوا في النهاية شيئًا بالقول إن الفرق بين رجل يسر من التفكير دائمًا بأنه نابليون ورجل يعتقد أنه نابليون هو الفرق بين متخيل سعيد وفصامي تعيس ويضيف أتفهم جيدًا "الفصامي"، الذي لا يستطيع العيش دون تخيل عالم آخر، ودون تقمصه هوية أخرى، ولكنني أتألم للفصاميين أسرى العالم الثاني لأنهم لا يمتلكون عالمًا أصليًّا سعيدًا وسليمًا يمكنهم العودة إليه، وهنا أحاول استعادة كم من الأسماء التي غردت بمجتمعنا الرياضي خارج سربه، دون أن تستطيع العيش بواقعية مع متطلباته، وبالتالي أخشى أن تكون عودتنا إلى عالمنا الأصلي بعيدة أو صعبة!