|


زلاتكو.. رمى الملايين وصنع المعجزة

صورة التقطت أمس لزلاتكو مدرب منتخب كرواتيا يحيي جماهير بلاده في مدرجات ملعب لوجينكي بعد التأهل إلى نهائي كأس العالم للمرة الأولى في تاريخه (الفرنسية)
الرياض ـ عبد الرحمن عابد 2018.07.12 | 02:24 am

تجاوزت سيارة أجرة صفراء ساحة الأمويين، وانعطفت يسارًا في اتجاه فندق الشيراتون الشهير، وعند تمام الثامنة مساءً بتوقيت دمشق، نزل رجلان من السيارة، ودخلا إلى غرفة مغلقة في الطابق الأرضي في الفندق، حيث كان ينتظرهما فهد المدلج، رئيس نادي الفيصلي السعودي، وإلى جانبه محمد المطيري، مدير الكرة.
جلس المدرب الكرواتي زلاتكو داليتش، برفقة الألباني ألير حليلي، وكيل أعماله، على كرسيهما، فبادرهما المدلج بالتحية، ثم سأل زلاتكو: لماذا تريدنا أن نتعاقد معك؟ فأجاب الرجل المرهق من طول الرحلة الجوية القادمة من زغرب: "أريد تحقيق النجاح، وصناعة اسم كبير في منطقة الخليج". وبعد ساعات انتهى الاجتماع بتوقيع عقد لمدة عامين، وبأجر سنوي يبلغ 230 ألف دولار أمريكي.
اعتقد زلاتكو، أنه بمجرد اعتزاله كرة القدم مع فريق فارتيكس الكرواتي عام 2000، سيكون في مقدوره العودة إلى مسقط رأسه في مدينة بوسنية صغيرة، تدعى ليفنو، ليستمتع مع زوجته دافوركا، وطفليه توني، وبرونو باللعب والسباحة والصيد ورحلات التخييم الممتدة على نهر بيستريتسا، لكنَّ اتصالًا هاتفيًّا من ميروسلاف بلازيفيتش أعاده إلى النادي ليساعده إداريًّا وتدريبيًّا، وبعد ثلاثة أعوام، نجح لاعب الوسط المعتزل في نيل شهادة تدريبية متقدمة من الاتحاد الأوروبي، وانطلق مدربًا مستقبليًّا.
في منتصف 2010، وصل زلاتكو إلى مدينة حَرْمَة، تبعد عن الرياض 210 كيلومترات، وكان طلبه الأول حضور اللاعبين إلى التدريب في السادسة فجرًا، لتفادي حرارة الشمس أثناء التدريبات الصباحية. ووصف العاملون في النادي مدربهم السابق باللطيف والخلوق، بينما قال عنه الرئيس فهد المدلج: "كنا إذا ذهبنا إلى مطعم، أو مقهى، يسبقنا إلى المحاسب ليدفع الفاتورة". وأضاف "هو رجل راقٍ وكريم ومغرم بكرة القدم".
نشأت علاقة أسرية رائعة بين أسرتَي زلاتكو، وفهد، وتبادلت العائلتان الثقافات والاهتمامات خلال الزيارات الأسبوعية، لكنَّ هذا الحب لم يمنع رحيل المدرب الكرواتي إلى الرياض لتولي تدريب أولمبي الهلال بعد عامين متواضعين، قضاهما برفقة عائلته في إحدى الشقق المفروشة في المجمعة، وحينما سأله الصحفيون عن سبب الخطوة المتراجعة؟ أجاب: "أنتظر الفرصة الأكبر لتدريب الفريق الأول".
تحقق حلم زلاتكو بتدريب الهلال الكبير بعد تسعة أشهر، بعدما أقالت الإدارة الزرقاء كومباريه، المدرب الفرنسي، وعلى الرغم من فوز الرجل الأربعيني بكأس ولي العهد، إلا أن الهلاليين اختاروا سامي الجابر مدربًا جديدًا في الموسم الذي يليه، ما أجبر الكرواتي على الرحيل إلى الإمارات، ليحقق مع فريق العين 97 انتصارًا، وأربع بطولات، وفي مطلع 2017 استقال برغبته، وعاد إلى دياره.
تقول شبكة "EPSN" الإخبارية: إن زلاتكو رفض عرضًا سنويًّا قيمته أربعة ملايين يورو من الاتحاد التايلاندي لكرة القدم، وفضَّل 550 ألف يورو لتدريب منتخب كرواتيا الذي تحوَّل إلى أشلاء على يد المدرب أنتي شاشيتش. وبالفعل استطاع صاحب الـ 51 عامًا في مونديال روسيا الجاري من تجاوز نيجيريا، وآيسلندا، والأرجنتين، وإنجلترا، والوصول إلى نهائي كأس العالم للمرة الأولى في تاريخ كرواتيا، وكسر رقم صعب، كان قد فعله المنتخب عندما تأهل إلى نصف نهائي كأس العالم 1998 بقيادة سوكر، وبروزينيكي، وبوبان.
واستحوذت كوليندا كيتاروفيتش، رئيس كرواتيا، على الأضواء أخيرًا، وتحولت إلى ظاهرة بعد مباراتَي الدنمارك، وروسيا، حيث رقصت واحتضنت زلاتكو، ومودريتش، وراكيتيش، ولوفرين وبقية الفريق. وتحدث زلاتكو لقناة "سكاي" قبل تأهل منتخبه إلى النهائي الحلم وإقصاء إنجلترا، أمس، قائلًا: "علينا الإيمان بقدراتنا، فكل شيء يمكن تحقيقه". وحول ما يدور حوله أوضح: "هذه أسعد لحظات حياتي، ولا أريد لسعادتي أن تتوقف".