|


صالح الخليف
الحب أولا والتربية ثانيا
2018-08-05
يعيش تحت سمائنا ما يربو على سبعة مليارات إنسان، وكل منهم تربى بطريقه مختلفة عن الآخرين.. حتى الأشقاء ربما يتربون في كنف أمهاتهم وآبائهم بأشكال متباينة فآخر العنقود يحظى بالتدليع والتدليل والأول يكون محطة تجارب والأوسط يتوه بين هذا وذاك..

وتعج رفوف المكتبات بمئات الإصدارات والدراسات عن الأساليب المثلى في التعامل مع فلذات الأكباد على مختلف فتراتهم العمرية.. ولكل مجتمع عاداته ونهجه ومناهجه في التعاطي مع الصغار..

هناك من يتخذ الشدة والغلظة والصرامة سلوكا حتى يشبوا وهم في أتم جهوزيتهم لمواجهة تصاريف الحياة وتقلبات الأقدار وأنكاد الزمن كما يرى ويريد ذووهم من وراء هذه الحجة.. وهناك من يتعامل مع أطفاله بليونة فائقة كما يتعامل النحاتون المحترفون مع صنعتهم بهدف ألا يخرج أطفالهم للدنيا وقد امتلأت قلوبهم وأفئدتهم بالعقد والمخاوف والاضطراب.. والشاعر الإنجليزي جون ويلموت له عبارة شائعة وشهيرة في هذا المجال فيقول: "قبل زواجي كان لدي ست نظريات عن تربية الأولاد وبعد الزواج أصبح لدي ستة أولاد وليس عندي نظرية واحدة".. وأظن قوله هذا يقطع قول كل خطيب، فالناس تجتهد وتحرص على تربية وتقويم سلوكيات وأخلاقيات أبنائها، ثم يخرج من ذات البيت الناجح والفاشل، ويخرج المصلح الصالح والمجرم الآثم، ويخرج المتعلم المتنور والجاهل الأرعن.. وكل عام تصدر أقسام التربية في أعرق الجامعات ومراكز الأبحاث عشرات الدراسات الحديثة عن أسس جديدة يفترض بالأمهات والآباء في مشارق الأرض ومغاربها تطبيقها على أبنائهم، وتزدحم النصائح في شاشات التلفزيون والصحف ومواقع التواصل ممن يسمون ويصفون بخبراء التربية دون أن تتغير خارطة نشأة الصغار في جذورها وأعماقها..

ولست غبيا أو معتوها ومتهورا لأقول للناس لا تربوا أطفالكم أو تجاهلوا تعليمهم الأخلاق والمثل الحسنى والعادات الحميدة، لكن يمكنني فقط القول إن الأمهات والآباء لا يفترض أن يقدموا لأبنائهم شيئا أكثر من الحب والاهتمام والرعاية، أما التربية فهذا أمر معقد والكلام فيه طويل ويحتمل عشرات التأويلات، وما أكثر ما تكفل الزمن بتربية الناس، والدليل البسيط أن هناك العشرات من النماذج الإنسانية الملهمة عبر التاريخ عاشت بلا أبوين، بل عاشت مشردة بلا معين ومساند، ثم ساهمت في مشاريع غيرت حياة البشر..

ليست التربية إلا فصلا صغيرا في حياة الإنسان أما الحب فهو حياته كلها، والممثل الأمريكي توم كروز لا يتذكر شيئا من علاقته مع والده الذي كان يعمل كهربائيا إلا قسوته وجفاءه وغلظته وتعامله الفظ.. يمر الزمن سريعا ويذهب هذا الكهربائي إلى غياهب الذاكرة المنسية ويعتلي ابنه قمة أمجاد السينما والثراء والشهرة..

ربما كانت شدة وشراسة أبو توم نابعة من فلسفة تربية مواجهة الأيام بكل قوة، لكنها بالطبع سقطت وفشلت وتمرغ وجهها بالتراب.. الحب أهم من التربية كما أظن وأعتقد وأزعم وأتصور.. أغدقوا على صغاركم بالحب أما التربية فلها كتب ومنشورات ودراسات تكفيها وتحميها..!!