|


بدر السعيد
بين عاشق وكاره
2019-05-26
لا أعتقد أن هناك صعوبة للتفرقة بين حالات الاعتزاز بالنفس وحالات الإحساس بالنقص.. وتبدو مناسبات الفرح وأساليب الاحتفال هي أحد أهم المقاييس التي يمكن من خلالها قراءة وتحليل طريقة الفرح والتعبير عنها.. ويسهل من خلالها معرفة من يعتز بنفسه ومن تلبسه الإحساس بالنقص.. إذ يظهر فقراء الإنجاز وحديثو النعمة بشكل فاضح يعبرون فيه عن الفرح ويستقبلونه بطريقة عجيبة ومختلفة تماماً عن أولئك المتشبعين بالفرح والمعتادين على المنصات..
ومن واقع ما نشاهده حولنا، يتضح لنا بجلاء أن فقير النجاحات لا يمكن أن تكتمل فرحته إلا حين يسيء للآخرين وينتقص منهم.. جيناته المشبعة بالحرمان تنعكس لا شعورياً على مظهره وقوله وعمله، فيخرج كل ذلك التشويه لا إرادياً، وكأن اشتراطات الفرح لا تكتمل دون انتقاص غيره واستحقاره..
وفي الرياضة.. يبدو ذلك الوضع حاضراً في أكثر من مشهد وصورة.. واقع نشاهده ونسمعه مع كل حالة فوز وانكسار.. أولئك العاجزين هم أول من يشكك في إنجازاتهم فتجدهم يستجدون غيرهم ليبارك لهم.. ويتوسلون عبارات التبريك والإشادة من أفواه وأقلام غيرهم.. علاوة على ذلك الفرق الشاسع بين عاشق يفرغ مخزون عشقه في تشجيع ودعم فريقه.. وبين آخر تفرغ للإساءة إلى غيره.. فالأول وجد في فريقه ما يشبع عشقه وشغفه وتطلعاته فتمسك بالولاء.. أما الآخر فلم يجد ما يشبع طموحه وتطلعاته فتلبسته الغيرة وانعكست على شخصيته، فأصبحت البغضاء شعاره..
لا أستغرب استمرار كلا الصنفين في مساريهما.. بل تطور كل منهما في مساره.. إذ إن مصادر التغذية البصرية والسمعية والذهنية لكلا الصنفين تعمل ليل نهار على تكريس وترسيخ مفاهيمها في كلا الاتجاهين.. شخصياً أتفهم مبررات تمسك الصنف الأول بالمصادر التي تغذي عقليته وتعزز انتماءه، فهي مرتبطة بالحجة والدليل المثبت والتركيز على الذات نقداً ودعمًا.. تنهل من واقع الأمور وتكتسيها الحقيقة والقناعات الراسخة.. إلا أني عجزت أن أفهم أو أتفهم استمرار ضحايا "ثقافة الضجيج" في النهل من ذات المعين، دون أن يتوقفوا للحظة ويستخدمون ذلك الجزء المهم من أجسادهم وهو الدماغ، ليمرروا عليه كل معلومة أو فرضية قبل أن يتبنوها ويرددوها دون تثبت وإثبات.. لذا فإني لا أجد غرابة في أن يكون المنتج النهائي لضحايا "ثقافة الضجيج" شخصاً تشبع بالكراهية ضد الغير منذ صغره، فلم يعد للاحترام مكان في قاموسه..
دمتم أحبة.. تجمعكم الرياضة.. ويحتضنكم وطن..