|


خالد بن عبد الله التركي
أخلاق الإبل
2019-11-18
للإبل أخلاق مثل أخلاق الرجال، ففيها الحليمة والحمقى والهادئة والنزرة والرغاية والساكنة والحساسة والصبور. وقد وهبها الله تعالى سمعًا خارقًا ونظرًا ثاقبًا، فهي تحس بالخطر وتساعد صاحبها إن احتاج إلى مساعدة، وهي لذلك تتأدب بتأديب راكبها، ويستطيع أن يعسفها على رأيه وعادته.
ومن خلقها أنها تدرك مواعيد حملها فتستعد لذلك وتتعود على إشارة وصوت إناختها وقيامها وحل قيادها ووضع رسنها، وتعرف صاحبها وصوته، وتتصف الإبل بإلفها للآدمي ومعرفته معرفة تامة، فإذا عاش معها ليلة واحدة ورأته بعد ذلك لم تنكره وأنست به. وهي تألف موضع منازلها وسكنها ومراعيها مع رفيقاتها وتحن إليها حتى لو تركت في يوم من الدهر في أقصى الشمال وأهلها في أقصى الجنوب لعادت إلى الجنوب مع أقصر طريق معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وتأكل الشجر، حتى يفاجأ أهلها بوقوفها عليهم هناك تتنفس الصعداء وتشم الأرض وتتمرغ في منازلها.
ومن المعلوم أن الإبل إذا كانت متفرقة في مرعاها متباعدة ومتشتتة إذا سمعت صوت راعيها تجمعت وجاءت مسرعة إليه، فهو لا يكلف نفسه سوى أن يقف على مكان عال ثم يصوت لها بطريقة خاصة مؤثرة تعرفها الإبل فتذهب إليه تاركة ما وراءها. الناقة لا تنام إلا قليلاً، وقد أعطاها الله تعالى مخزنًا تختزن فيه الطعام يطحن أولًا من حنكها وأنيابها، فإذا استراحت أخذت تخرج من هذا المخزن لقمة لقمة تطحنها من جديد ثم تهضمها وتخرج سواها، وهكذا دواليك طوال الليل، فتسمع مع هدوء الليل صوتًا خاصًّا بطريقة الاجترار تشبه الحداء، وفي أثناء هذه العمليات المستمرة ترمي بجرانيها على الأرض فتنام نومًا عميقًا بكامل الهدوء، ولكنها لا تطيل هذه النومة بل تكررها.
الصحراء من دون إبل مخيفة وموحشة، ووجودها فيها يوحي بالطمأنينة والراحة النفسية، والصحاري مرتبطة بالرمال والجمال وهو منظر متلازم خلاب، فالإبل تعتبر إحدى استراتيجيات الحياة في الصحراء، وتخفف من آثار التصحر وجفاف التربة، نظرًا لنظامها الرعوي المتميز، فهي وإن كانت تعيش بشكل قطعان، إلا أنها ترعى متباعدة وبشكل انفرادي وتسير أثناء الرعي لمسافات بعيدة، وترعى رعيًا غير جائر، ولا تتلف جذور الأعشاب والنباتات، لأن خفها طري، وبذلك تحافظ على الغطاء النباتي. فسبحان من خلق الإبل، وسبحان من هيأ لها فرسانها ورجالها، وسبحان من سخر لهم حبها وحب من يحبها، وسبحان من وسع مداركهم وأرزاقهم، ويسر المال في أيديهم، وسبحان من قدر فهدى، وسبحان من أخرج المرعى.