|


أحمد الحامد⁩
كلمات ليست كالكلمات
2020-01-18
لا أشك لحظة واحدة بأن حسن الكلام مفتاح قلوب الناس سواء كانوا بسطاء أو مسؤولين كبارًا، فقراء أو تجارًا، وأن الكثيرين وصلوا لما وصلوا إليه من مكانة حسنة جاء من حسن كلامهم وأثره على النفوس والعقول، قيل إن المصريين أحبوا الشافعي لحلاوة ورقة كلامه، وقال يوسف بن عبد الأعلى عنه:
ما كان الشافعي إلا ساحراً، ويقصد أن من البيان لسحراً، ومما قيل عن حسن كلام إبراهيم بن أدهم أن يهودياً مر بجانب إبراهيم وكان مع اليهودي كلب فقال اليهودي لإبراهيم: يا إبراهيم ألحيتك أطهر من ذَنَب هذا الكلب أم ذنبه أطهر منها؟ فقال إبراهيم: إن كانت لحيتي في الجنة فهي أطهر من ذَنبَ كلبك، وإن كانت في النار لذنب كلبك أطهر منها، فقال اليهودي: دين يأمر بهذه الأخلاق حري بي أن أتبعه، ويقول وهب بن منبه: “ثلاث من كن فيه أصاب البر: سخاوة النفس، والصبر على الأذى، وطيب الكلام”.
ويعرف معن بن زائدة بحسن كلامه مع ذكائه، حواره القصير مع أبي جعفر المنصور فيه مقدرة عجيبة على إنتقاء الألفاظ في وقت الحوار، أشبهه بحوار على الهواء مباشرة لا يحتمل التوقف والإعادة كما هو حاصل في البرامج التسجيلية، جاء معن وبانت عليه علامات التقدم في السن، قال له المنصور: كبرت سنك يا معن، فقال معن: في طاعتك يا أمير المؤمنين، قال المنصور: لكن فيك جلَد، فقال معن: على أعدائك يا أمير المؤمنين، فقال المنصور: وإن فيك لبقية، فقال معن: هي لك يا أمير المؤمنين، وكان عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يمشي في المدينة فرأى ناراً موقدة ويجلس حولها بعض الرجال، فنادى عليهم: يا أهل الضوء، ولم يقل لهم يا أهل النار.
حسن الكلام مرتبط بحسن الأخلاق وهما يكملان بعضهما بعضًا، فلا أخلاق حميدة مع سوء الكلام والمفردات الفاحشة، ولا حسن الكلام مع سوء الأخلاق، ومن أسرار درء الأشرار الكلمة التي تلين بها قلب من أراد بك سوءًا، بل قد تبدله من عدو إلى صديق، دخل وفد على عبد الملك بن مروان يتقدمهم غلام، غضب عبد الملك وقال لحاجبه: ما شاء أحد أن يدخل علينا حتى دخل الصبيان؟ فقال الصبي: أيها الأمير إن دخولي عليك لم ينقص من قدرك ولكنه شرفني، أصابتنا سنة أذابت الشحم، وسنة أكلت اللحم، وسنة دقت العظم ومعكم فضول أموال، فإن كانت لله تصدقوا بها علينا، إن الله يجزي المتصدقين، وإن كانت لنا فعلام تحبسونها عنا؟ فقال عبد الملك بن مروان: والله ما ترك لنا هذا الغلام في واحدة عذراً.