|


فهد عافت
الفن والحياة!
2020-02-29
-يُمكن للفن مساعدتنا في فهم الواقع، وفي تجميل الطبيعة، وفي تحسين حياتنا عمومًا، بأشكال مباشرة أو غير مباشرة!.
-يرتقي بأحاسيسنا، ويجعلنا أكثر شفافيّة، ومن فوضانا الداخلية يُرتّب أشياءً مُهملة وغير مستعملة، نظنها منتهية الصلاحية، أو استبعدناها بُغضًا فيها، وقرّبنا أشياءً أُخرى غيرها، تكاد تكون نقيضها، لفهم خاطئ ومُلتبِس، أو لكسل وتثاؤب، أو لاضمحلال عضلات الفطنة والنباهة!. لا يُرتّبها فحسب، لكنه يُشكّل منها، من خليطها، ومن فكّها وإعادة تركيبها، أشياء جديدة، مفيدة وممتعة!.
-الخيال الفنّي يفعل ما هو أكثر. لديه قدرة، وقد أثبت ذلك مرارًا، على تحريض العلوم التطبيقية، علوم الأرقام والمعادلات، الطب والصناعة، للتقدّم في مجالاتها أكثر وأكثر!. بساط الريح هو الذي أنتج الطائرة!. والبلّورة السحرية هي التي أنتجت السينما، وعاجلًا أم آجلًا، سيأتي الدور على طاقيّة الإخفاء!.
-والسؤال: كيف يعمل الفن، ومن أي زاوية يلتقط العمل الفنّي نباهتنا فيقوّيها، حتى يصير شغفنا بالمغامرة والتقدم أكثر من رغبة مُلِحّة، يصيّره حياة لا أسلوب في الحياة؟!.
-أظن أنه يفعل كل ذلك عن طريق التأمّل والمساءلة!. إنه يُلغي واو العطف بينهما، أي بين التأمّل والمساءلة!. يُثبت ويؤكّد وحدتهما، مثلما أثبت أنشتاين أنّ لا “واو” عطف بين الزمان والمكان، وأنهما شيء واحد!.
-وعليه، فإن مهمة الفن، في ظنّي، لا علاقة لها بالأجوبة، وبالتالي فإن كل حكمة قاطعة ليست من الفن!. وكذلك كل ما لا تتعدد دلالاته فإنه ليس فنًّا!.
-بقدرته البارعة على محاكاة “نظامنا” الداخلي، يُمسك العمل الفني بتلابيبنا!.
-كثيرًا ما نتأمّل لوحة فنيّة، لا موضوع محددًا لها، مجرّد كتلة لونية، خليط ومزيج من الألوان، نشعر بتناسقه، ونحس بدقّة وعدل الميزان فيه، وبصحّة الحساب الذي لا نعرف ما هو!. ربما لو عرفنا لما تأمّلنا!.
-لماذا أوقفتنا هذه اللوحة أمامها؟! لأنها قالت لنا إن فيها شيئًا منّا!.
-ولأننا كلّما تأمّلناها، شعرنا بأن أشياء في داخلنا بدأت تعيد ترتيبها، تتقدّم وتتأخّر، وتتمازج وتنجذب، وكأنها كانت تنتظر فرصة لتنتظم!. فرصة لكي يكون انتظامها متسقًا مع “نظامنا” الداخلي الذي هو فطرتنا وقد أفسدها الزمن في غفلةٍ منّا!. فرصة لأن نعرف أننا أجمل ممّا نحن عليه الآن، هنا، في هذه اللحظة!.
-لحظات التأمّل هذه ليست مثل أي لحظات تأمّل أخرى، فللعمل الفنّي الذي نتأمّله جاذبيّته، التي تضبط إيقاعنا بعدم الانفلات منها، ما يساعدنا على استعادة “النظام الداخلي” بإيجاز مُعتَبَر!.
-أمّا المساءلة، فتأتي شفيفة لا نكاد نحس بها، تذوب في التأمّل، ذوبان السّكّر في الشاي!. وبذلك يختلف الفن، ويفرق، في أسئلته عن أسئلة الفلسفة مثلًا، وعن أسئلة بقية العلوم طبعًا!. وإنما ذكرت الفلسفة لأن أسئلتها أقرب إلى الفن من أسئلة بقية العلوم، لكن حتى الفلسفة قد تأتي بأسئلة قاسية أو مخادعة، أو كوسيلة لغايات تظل مختبئة تحتها، وإذا كان سقراط أبو الفلاسفة، فقد كانت هذه طريقته: سحب محدّثه إلى أسئلة تبدو بديهية، يثور اللغم في آخرها!.
-الفن لا يفعل ذلك. أسئلته لا تبتغي غير ذاتها، تكاد تكون غاية ذاتها!. ومهما كانت أسئلة الفن صعبة ومرعبة وشائكة، فإنها تتقدّم عبر التأمّل بلطف ومحبة، بريئة من الاستعلاء ومن نيّة الغدر بك!.
-وعن طريق “النظام الداخلي” للعمل الفني، إيقاعه وموازينه، فإننا لا نكتشف فقط أنه جزء منّا، بحكم التقائه بفطرتنا، وإعادتنا إليها، لكننا نكتشف، أيضًا، أن الكون كله جزء منّا، فهو ينادينا، ويتعرف علينا، ويعرّفنا عليه، عن طريق ذات الإيقاع والرتم والميزان الكلّي المتصّف بالإحسان والعدل!.