|




طلال الحمود
أمانة مهنية
2020-09-05
تعتمد الحرفية في ممارسة الأعمال على مبدأ الأمانة المهنية ومدى التزام الفاعل بهذا المبدأ الذي يقود إلى الحيادية والصدقية والموضوعية، وبالتالي أداء المهمة بطريقة ناجحة تزيد من ثقة المتعاملين بصاحب العمل، وفي كثير من المجالات يسعى العامل إلى إثبات أمانته المهنية حتى لا يخسر السوق التي يعمل بها وينافس فيها، وهذا المعيار ينطبق على النجار والإعلامي وحتى السياسي.
في الوسط الإعلامي تحديداً يفتقد بعض الممارسين أبجديات المهنة، ولا يلتفتون إلى أهمية مبدأ الأمانة المهنية إلا عندما يواجهون الحقيقة المرّة، فتجد بعضهم يتخذ من عمله في الصحافة منبراً للنضال ضد تيار سياسي أو ديني أو اجتماعي، دون الالتفات إلى أهمية الحياد والموضوعية في أداء العمل، بعيداً عن تجنيد “الدكان” لخدمة هذا والإضرار بذاك، وفي كثير من لجان الجوائز في العالم يتم استبعاد بعض المرشحين بسبب مواقفهم الشخصية المعلنة التي تنافي قواعد ممارسة المهنة.
من حق المذيع أن يستقيل من قناته على الهواء بعدما يمطر مسؤوليها بوابل من الشتائم، ومن حق الصحافي أن يجند نفسه لخدمة أغراض تتعارض مع الموضوعية فهذا خياره، ولكن عليه أيضاً أن يتقبل بصدر رحب عدم قبوله في سوق الإعلام، ورفض وجوده في مؤسسات عريقة تتعامل وفق أسس العمل الصحيح، وهذه بديهيات لا يجهلها إلا من يأتي إلى الصحافة متربحاً بغرض تسويق قناعات شخصية وخدمة أهداف لا تمت للمهنة بصلة.
في الصحافة دهاليز كثيرة يستخدمها الأذكياء لتمرير ما يريدون، وغالباً ما يتنافس أبناء هذه المهنة على عدم ترك بصماتهم في المكان، بل إن براعة الصحافي تقاس أحياناً بقدرته على الوصول إلى الهدف دون كسر قواعد المهنة أو التعدي على أخلاقياتها، وغالباً ما ينجح هؤلاء في مهمة “التمرير” لأنهم يدركون الفرق بين الصحافة وحملات الترويج التي لا يحظى محتواها بثقة المتابع، لاعتبار أنها رسالة دعائية معروفة المصدر والهدف، بخلاف الرسالة الصحافية التي تتمتع بقدر من الاستقلالية يجعلها أقرب إلى القارئ أو المشاهد.
لا يمكن لإعلامي قضى حياته مدافعاً عن النازية أن يجد ترحيباً في منصات إعلام تراعي المسؤولية والمهنية، ولا يمكن لطبيب يجاهر بكراهيته لشعب أو طائفة أن ينتظر من المرضى القدوم إليه لإجراء عمليات القلب المفتوح على يده، ليبقى مبدأ الأمانة المهنية بمثابة المعيار الحقيقي الذي يصنع الفارق بين العمل الحرفي المتقن، وغيره من الأعمال العبثية التي يمارسها بعض الجهلة ويدافعون عنها بحماقة.