-هل المعاني مُلْقاة، حقًّا، على قارعة الطرق؟!.
ظنّي أن الجواب “نعم” بنسبة كبيرة، و”لا” بنسبة أكبر!.
- نعم، لأن كثيرًا من المعاني، كثيرًا جدًّا، يمكن العثور عليها، والوصول إليها، بالفطرة، أو بالمشاعر الإنسانيّة المُشتركة، وكذلك بعمليّات الفكر الرّياضيّة العامّة البسيطة، مثلما يمكن ملامستها، أو تخمينها وتوقّعها، من خلال القِيَم الإنسانيّة العُليا التي تكاد تكون موزّعة على الناس وبينهم بالتساوي!.
- وأخيرًا، نعم، لأن التراكم الثقافي الإنساني، على تنوّعه وتفرّعه واتّساعه ونزاعه، إلا أنه من أب واحد وأم واحدة مثل الإنسان ذاته، فللثقافة آدمها وحوّاؤها أيضًا!.
- هذا، باختصار، ما يخص الجواب بنعم. نأتي الآن إلى الجواب الذي يقول: لا، المعاني ليست مُلْقَاة على قارعة الطُّرق!.
- مشكلة المعنى، وهي المشكلة الأروع والأجمل، أنه يتغيّر بعدد قرّائه، بل يتغيّر بالنسبة للقارئ الواحد مرّات كثيرة باختلاف المكان والزمان والظرف والموقف والحالة!.
- كما أنّ أي تغيير، ومهما بدا طفيفًا، في صياغة الجملة الحاملة للمعنى، يُمكنه تغيير المعنى!. على الأقل، وهذا هو الأهم، فإنّ أي تغيير، أو تبديل، أو حذف، أو إضافة، أو إعادة ترتيب للكلمات والحروف في أي قول، من شأنه منح طاقة وتغيير طاقة المعنى العام ودرجة الإحساس به!.
- الكلمة نفسها، عارية ومعزولة عن تركيبها وعن ترتيبها في جملة، الكلمة بقراطيسها القاموسيّة، لها مرادفات، لكن أيًّا منها لا تعني صاحبتها تمامًا، خاصةً من ناحية الإيقاع والإحساس بها: تَدَانَى غير دَنَا!. واقتربَ غير قَرُبَ!. وناهزَ غير كادَ، وكَادَ غير أوشَكَ!. بالرغم من أن للكلمات السابقة جميعها صندوق المعنى نفسه في القاموس!.
- سبق لعبدالعزيز المقالح طرْح هذه الإشكالية فيما يخص التّرجمة، خاصةً ترجمة الشعر، ولماذا هي صعبة لدرجة تقترب من المستحيل!. وأتذكّر أن المقالح اختار كلمة “سكّين” ومرادفها “ مُدْيَة”. للكلمتين المعنى نفسه، غير أن الإحساس المُشكِّل لطاقة الدّلالة مختلف وليس له الكثافة نفسها!.
- لا أتذكّر، حرفيًّا، ما قاله المقالح بهذا الخصوص، لكنه صادق ومُحقّ!. بإمكان أي منا الإحساس بحدّة الآلَة ورائحة الخطر، أو رائحة المطبخ!، في كلمة “سكّين” أكثر بكثير ممّا يمكن لنا الإحساس بكل ذلك في كلمة “مدْيَة”!.
- وسوسة السِّين، تفوح بنوايا!. مقبوض عليها بالكاف المُشدَّدَة، توحي بالتّمكّن والحزم، متبوعة بالياء، ما يمكن معه الشعور بالتَسييل!، ثمّة شيء سالَ وأُهدِر بعد الوَسْوَسَة والتمكّن!. وأخيرًا النون، حيث النهاية والسكون!. كل هذا لا يمكن لنا الشعور به في، ومع، كلمة “مُدْيَة” مثلًا، وهو ما لا يعني نفي ورفض استخدامها، فللكلمة إيقاع يُمكنه منح مشاعر أُخرى تقترب وتبتعد وتحذف وتُضيف فيما لو استُخدمت في مكانها!.
- والكلمات في المُشافهة مثلها في الكتابة، لها ظروف وطبائع وإيحاءات وقدرة على توليد مشاعر مُختلفة ومتباينة، تبعًا لطريقة استخدامها، ونبرة الصوت المُرْسَلَة منه، وإحساس الأُذُن المُستقبِلَة!.
- أظنّ أن السعداء من أهل العشق جرّبوا سماع كلمة “أكرهك”، تُقال لهم بدلال وغنج وضحك، فتصير أعلى وأحلى وألطف بكثير من “أحبك”!. كما جرّب كثير من الناس في لحظات تعاسة وبؤس، سماع كلمة “أحبك” وكان لها معنى البُغض، بما حَوَتْ طريقة اللفظ نفسها، من طاقة يأس وخضوع واستسلام للمقادير!.
- الحكاية كلها حكاية “مقادير” فعلًا!. و”مقادير يا قلب العنا”!
- الغناء يجرّ بعضه!. تذكّرتُ شيئًا طريفًا: تغني “وردة الجزائريّة”:
“ناس ما بتحبش راحتنا/ كل يوم قاعدين في بيتنا/ ويطلعوا يجيبوا في سيرتنا/ نعمل إيه.. نعمل ايه؟!/ سكّتنا حدفتنا.. حدفتنا على اولاد الحلال”!. لاحظ الانقلاب الهائل، مُدوّي السخرية، في معنى “اولاد الحلال” هنا!.
ظنّي أن الجواب “نعم” بنسبة كبيرة، و”لا” بنسبة أكبر!.
- نعم، لأن كثيرًا من المعاني، كثيرًا جدًّا، يمكن العثور عليها، والوصول إليها، بالفطرة، أو بالمشاعر الإنسانيّة المُشتركة، وكذلك بعمليّات الفكر الرّياضيّة العامّة البسيطة، مثلما يمكن ملامستها، أو تخمينها وتوقّعها، من خلال القِيَم الإنسانيّة العُليا التي تكاد تكون موزّعة على الناس وبينهم بالتساوي!.
- وأخيرًا، نعم، لأن التراكم الثقافي الإنساني، على تنوّعه وتفرّعه واتّساعه ونزاعه، إلا أنه من أب واحد وأم واحدة مثل الإنسان ذاته، فللثقافة آدمها وحوّاؤها أيضًا!.
- هذا، باختصار، ما يخص الجواب بنعم. نأتي الآن إلى الجواب الذي يقول: لا، المعاني ليست مُلْقَاة على قارعة الطُّرق!.
- مشكلة المعنى، وهي المشكلة الأروع والأجمل، أنه يتغيّر بعدد قرّائه، بل يتغيّر بالنسبة للقارئ الواحد مرّات كثيرة باختلاف المكان والزمان والظرف والموقف والحالة!.
- كما أنّ أي تغيير، ومهما بدا طفيفًا، في صياغة الجملة الحاملة للمعنى، يُمكنه تغيير المعنى!. على الأقل، وهذا هو الأهم، فإنّ أي تغيير، أو تبديل، أو حذف، أو إضافة، أو إعادة ترتيب للكلمات والحروف في أي قول، من شأنه منح طاقة وتغيير طاقة المعنى العام ودرجة الإحساس به!.
- الكلمة نفسها، عارية ومعزولة عن تركيبها وعن ترتيبها في جملة، الكلمة بقراطيسها القاموسيّة، لها مرادفات، لكن أيًّا منها لا تعني صاحبتها تمامًا، خاصةً من ناحية الإيقاع والإحساس بها: تَدَانَى غير دَنَا!. واقتربَ غير قَرُبَ!. وناهزَ غير كادَ، وكَادَ غير أوشَكَ!. بالرغم من أن للكلمات السابقة جميعها صندوق المعنى نفسه في القاموس!.
- سبق لعبدالعزيز المقالح طرْح هذه الإشكالية فيما يخص التّرجمة، خاصةً ترجمة الشعر، ولماذا هي صعبة لدرجة تقترب من المستحيل!. وأتذكّر أن المقالح اختار كلمة “سكّين” ومرادفها “ مُدْيَة”. للكلمتين المعنى نفسه، غير أن الإحساس المُشكِّل لطاقة الدّلالة مختلف وليس له الكثافة نفسها!.
- لا أتذكّر، حرفيًّا، ما قاله المقالح بهذا الخصوص، لكنه صادق ومُحقّ!. بإمكان أي منا الإحساس بحدّة الآلَة ورائحة الخطر، أو رائحة المطبخ!، في كلمة “سكّين” أكثر بكثير ممّا يمكن لنا الإحساس بكل ذلك في كلمة “مدْيَة”!.
- وسوسة السِّين، تفوح بنوايا!. مقبوض عليها بالكاف المُشدَّدَة، توحي بالتّمكّن والحزم، متبوعة بالياء، ما يمكن معه الشعور بالتَسييل!، ثمّة شيء سالَ وأُهدِر بعد الوَسْوَسَة والتمكّن!. وأخيرًا النون، حيث النهاية والسكون!. كل هذا لا يمكن لنا الشعور به في، ومع، كلمة “مُدْيَة” مثلًا، وهو ما لا يعني نفي ورفض استخدامها، فللكلمة إيقاع يُمكنه منح مشاعر أُخرى تقترب وتبتعد وتحذف وتُضيف فيما لو استُخدمت في مكانها!.
- والكلمات في المُشافهة مثلها في الكتابة، لها ظروف وطبائع وإيحاءات وقدرة على توليد مشاعر مُختلفة ومتباينة، تبعًا لطريقة استخدامها، ونبرة الصوت المُرْسَلَة منه، وإحساس الأُذُن المُستقبِلَة!.
- أظنّ أن السعداء من أهل العشق جرّبوا سماع كلمة “أكرهك”، تُقال لهم بدلال وغنج وضحك، فتصير أعلى وأحلى وألطف بكثير من “أحبك”!. كما جرّب كثير من الناس في لحظات تعاسة وبؤس، سماع كلمة “أحبك” وكان لها معنى البُغض، بما حَوَتْ طريقة اللفظ نفسها، من طاقة يأس وخضوع واستسلام للمقادير!.
- الحكاية كلها حكاية “مقادير” فعلًا!. و”مقادير يا قلب العنا”!
- الغناء يجرّ بعضه!. تذكّرتُ شيئًا طريفًا: تغني “وردة الجزائريّة”:
“ناس ما بتحبش راحتنا/ كل يوم قاعدين في بيتنا/ ويطلعوا يجيبوا في سيرتنا/ نعمل إيه.. نعمل ايه؟!/ سكّتنا حدفتنا.. حدفتنا على اولاد الحلال”!. لاحظ الانقلاب الهائل، مُدوّي السخرية، في معنى “اولاد الحلال” هنا!.