|


فهد عافت
فن تجريدي من نوع آخر!
2020-10-19
عندما يلتقي صديقان، صُدْفةً أو بمبادرة من أحدهما، ويكون هذا اللقاء بعد فترة انقطاع طويلة، لا علاقة لها باستياء أو زعل أو أي موقف محدّد، فترة انقطاع مثل، أو هي تمامًا، تلك التي تحدث كثيرًا للناس بسبب الظروف والانشغال بالحياة وطبيعة الدنيا، أقول: عندما يلتقي صديقان بهذا الشكل، لماذا يُعاتب أحدهما الآخر على عدم السؤال وطول الانقطاع؟! ولماذا يكون على الثاني الدفاع عن نفسه وتبرير موقفه؟!
- وهل بدأ الأول بالعتاب لأنه يدري أنه وفيما لو تأخّر لحظة لاستقبل هو الملامة وصار عليه دفع التهمة والتبرير بما يثبت براءته؟!.
- أنصح في مثل هذه الحالات، ألا تبدأ ولا تنتهي بعتاب صاحبك، بل وأن تُلغي فكرة هذا العتاب من رأسك تمامًا!. فكل كلمة تقولها بهذا الخصوص مردودة عليك!.
- لكن، وفي المقابل، لا تقبل التهمة ولا تضع نفسك وراء قضبان من أي نوع، متى ما وُجّهت لك مثل هذه الأسئلة، دون تأخير ولا تردّد: جرّده من سلاحه!.
- ردّ ببساطة وبمحبّة ودون تشنّج أو حرج: كلانا أخذته المشاغل، وظروف الحياة، كلانا مُقصِّر وكلانا معذور!. بعدها غيّر الموضوع إلى ما يحب وتحبّ، واستمتعا باللحظة الجميلة التي جمعتكما، فإن أعاد وزاد وأكثر، فاحمد ربّك على أن فترة الانقطاع كانت طويلة، وستكون أطول بعد هذا اللقاء!.
- إن وجّه لك أحدهم كلامًا من نوعيّة: ما لم تكن شاهدتَ هذا الفيلم فأنت لم تُشاهد فيلمًا!، ما لم تكن قد قرأتَ هذا الكتاب فأنت لم تقرأ بعد!، لا تقل لي إنك سافرت للسياحة ما لم تكن قد زرت المدينة الفلانيّة!، إلخ...!. اتركه وشأنه، لا تردّ وغيّر الموضوع!، أو غيّره بصاحب آخر أقل عنجهيّةً وتسلّطًا في الرأي وفرض الذّوق!.
ذلك لأن من يفرض ذوقه هو بلا ذوق أصلًا!.
- لكن إن لم تقدر، وكان الأمر يهمّك، فاتخذ معه الحل السابق: جرّده من سلاحه!. افعل ذلك بسرعة!.
- قل له: عليك أن تقرأ كل كتب الدنيا ليكون حكمك هذا قابلًا للأخذ والرّد!. وأن تُشاهد كل أفلام السينما ليكون حكمك القاطع هذا جديرًا بالتقدير!. وأمّا السياحة والمُدُن فاسمح لي، عليك أن تكون أنا لتحكم بما هو مريح وممتع وجميل ومناسب!.
- حالة ثالثة، وليست أخيرة لأن الحالات كثيرة وهي متروكة لتقديرك!. لا تستسلم لأي حالة ابتزاز عاطفي من أي نوع، واجعل الاستثناء الوحيد في هذا الأمر: أمّك وأبوك!. فيما عداهما، ابتعد ليس فقط عن “المهايط” ولكن عن قبوله، وبالذات عن قبول إقحامك فيه!.
- إنّ كلمات مثل: “لك والّا للذيب”، أو “تكفى قل تم”، لا تستدعي “دقّ صدرك” قبل أن تعرف ما هو الموضوع والمطلوب!. لا تخجل، وجرّد الآخر من سلاحه!، باختصار لأنك أنت سلاحه الحقيقي الذي سيوجّهه إلى ما لا تدري أين؟!.
- مقولة “لك ولّا للذّيب” مثلًا، مقولة قديمة، وربما كانت صالحة لزمنها وفي زمنها، حيث كل شيء واضح ومُتوقّع تقريبًا!. اليوم الأمور معقّدة، وصعبة، وخاضعة للقانون!.
- إنه لا يقلل من قيمتك شيئًا أن تعرف المطلوب أولًا، فإنْ قدرت عليه، وكان الأمر خيرًا وصلاحًا، فما أطيب البذل والمساعدة. أمّا حكاية “يخسى الذّيب”، فقد تُوقِعَكَ في حرج وتكون أنت من أوقعت نفسك فيه، أو تجعل منك كاذبًا حين يتكشّف لك عدم استطاعتك للأمر، وستحتاج لكلمات اعتذار وسيل مبررات كنت في غنى عنها أصلًا!.
- كل من تحس أن كلامه معك له شكل فوّهة البندقيّة الموجّهة إليك، جرّده من سلاحه، وهكذا، أسعدك الله، تصبح فنّانًا “تجريديًّا” بامتياز!.