|


فهد عافت
هَوَسُ العَلَانِيَة!
2021-03-31
ـ يُحبّ الإنسان أنْ يُعرَف بالخير. هذا بحد ذاته خَيْر!. لكن يمكن للميزان أن ينقلب بسرعة إلى نتيجة معاكسة، وليست من الخير في شيء، أو فيها من الخير ما أُبْطِلَ بفعل الكذب والتظاهر، أو بفعل المَنِّ والأذى!.
ـ تخلّص من المَنِّ تكون خيِّرًا، وترتاح وتسعد!.
ـ في كَفَّةٍ: “يُعرف”، وفي كَفّةٍ “الخير”: الإنسان يُحبّ أنْ “يُعْرَف”. الإنسان يُحبّ “الخير”!. الرّابح من رجُحَتْ عنده الكَفَّة الثانية!.
ـ المسألة شائكة، وميزان النفس ليس كأيّ ميزان، فالأمور متداخلة بما يجعلها متماثِلَة، ويصعب التفريق!. إنها تبدو جملة واحدة: “الإنسان يُحبّ أن يُعْرَف بالخير”!. لكن هذه الـ”يُعْرَف” مغرية، ومُخاتِلَة، وهي متى ما تضخّمَتْ، حوّلَت الخير إلى شَرّ!.
ـ ظنّي، أنّ أوّل ما يتوجّب عمله، وتدريب النفس عليه، هو ترويض هذه الـ”يُعْرَف”!.
ـ النّاس الذين تستهويهم هذه الـ”يُعْرَف”، يجدون اليوم من الوسائل، ما يُيَسِّر عليهم الوصول وبإغراءات مذهلة، عبر السوشال ميديا: صورة مع فقير في مصافحة!. استجابة علنيّة أمام الجميع تعلن عن مساعدة!. خبر عن تبرّع لصاحب حاجة!. إعادة تدوير تغريدة شاكرة ممتنّة للإعانة المُقدّمة من ذات الشخص الذي أعاد التدوير!. وهكذا..!.
ـ لا أقول إنّ أصحاب مثل هذه الكشوفات الخيريّة ليسوا من أهل الخير. هُم من أهله بإذن الله. وفي القرآن الكريم: “الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ”.
ـ لكنني أقول إنّ الهَوَسَ بنشر مثل هذه الأمور، الهوس بـ”العَلَانيَة”، قد يشكّل خطرًا على نفس صاحبه!. وأظنّ أنّ هذا أحد الأبواب التي يَصْعُبُ ضمان عدم دخول المَنّ منها!. وما دخل المَنّ إلّا والأذى معه!.
ـ من يتحدّث، كثيرًا، عن أعمال الخير التي يقوم بها، يُضْعِف مناعته النّفسيّة، فلا تتحمّل صدَّ المَنّ والأذى فيما بعد!، لأنها تعتبر ما تقوم به جمائل، وتنتظر ردّها من الآخَر!.
بمثل هذا الانتظار هي متأهِّبَة لأيّ ردّة فعل أقل وهجًا ممّا تنتظر!، وبمثل هذا التّأهّب تنزلق إلى ظنون سُوء!.
ـ يصير على طَرَف لسان صاحب هذه النفس: “إذا أنتَ أكرمت الكريم ملكته.. وإنْ أنتَ أكرمت اللّئيم تمرّدا”!. وهو بيت شعري، يحمل حكمةً رائعةً، لكنها فُهِمَتْ خطأً، بل خطيئةً!. ذلك أنّ من يُكرِم ليمتلك، لم يُكرِمْ أصلًا!، وما كرمه إلا تجارة!.
ـ حكاية أنْ يكون الآخَر إمّا “عبدًا” أو “لئيمًا”، لا ترتضيها نفس حُرَّة خَيِّرَة، سواءً كانت هده النّفس مُعْطِيَةً أو آخِذَةً!.
ـ السِّتْر مَنْجَاة!. لأنّ الكشف، الكشف الدّائم، المسعور برغبة حبّ الإنسان أن “يُعرَف” بالخير، كثيرًا ما يغيّر النّفس إلى الأسوأ!.
ـ تنبيهات قرآنيّة:
ـ “الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ () قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ () يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ..”
ـ “إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ”.