- لا يسيء إلى المذاهب الفنّيّة غير كثرة غير الموهوبين ممّن ينتهجون مذهبًا من هذه المذاهب، ثم تأتيهم الفرصة، بحكم الكثرة، أو بحكم انحدار الوعي الفنّي لدى المجتمعات في فترة من الفترات، أو بأحكام أُخرى سياسيّة، أو دينيّة، أو تكتّلات صحفيّة متسلّقة، فيتصدّرون المشهد العام!.
- هنا، فقط، ومع طوفان المواهب الضّحلة، فقط، يمكن لأيّ مذهب فنّي أن ينحطّ أسفل سافلين!.
- وأوّل علامات سُفُولِه تظهر في انعزاله عن بقيّة المذاهب. لا يتداخل معها. لا يأخذ منها ولا يعطي لها من نفسه شيئًا. يصير، أقرب ما يكون، إلى عقيدة متطرّفة، لا ترى في غيرها من المذاهب مِلَّةً صالحة!.
- الفنّان الحقيقي، أيًّا كان مذهبه الفنّي، لا يمكنه إلا التّداخل مع، وفي، بقيّة المذاهب المُعْتَبَرَة، والتي أثبت الزمن رسوخ قيمتها، وأثبتت أعمال أصحابها فاعليتها، وقدرتها على التغلغل في مشاعر الناس، وفي وجدان كل عصر!. من الآخِر: أثبتَ خلودها!. بل وأكثر!. أثبت قدرتها على التلويح بما سيأتي بعدها من مذاهب، كما أثبت أنها، وفيما لو سُحِبَتْ إلى زمن سابقٍ عليها، لأثْرَته!.
- أهم من أنصف “أبو نواس”، في رأيي، كان “أدونيس”!. مع الاحتفاظ لكلّ من “العقّاد” و”كامل الشّنّاوي” بتقدير خاص في هذا الشّأن!.
- أمّا قصيدة “المنخل اليشكريّ” ببيتها الشهير: “وأحبّها وتحبّني... ويحبّ ناقتها بعيري” فقد تحوّلت مع الزمن، أو كادت أنْ تتحوّل، إلى تهريج، وتُحوّل شاعرها إلى مُهرِّج، لولا إعادة “صلاح عبدالصّبور” لقراءتها من جديد، باستحضار مُعطيات قديمة!. عبر الشكل المسرحي الذي دعا صلاح عبدالصبور إلى ضرورة تمثّله في الذّهن، مؤكّدًا أنّ وجود القصيدة بيننا اليوم مكتوبةً فقط، يهضم حق الأبيات اليشكريّة، وبذلك يُفقد القصيدة شيئًا من طراوتها!.
- كانت التفاتة رائعة، حين تخيّل عبدالصبور، ودعا إلى تخيّل، شكل السّوق، والمارّة، والتجمهر، والدّواب، وجسد الشاعر، وكل المعطيات البصريّة التي بُنِيَت القصيدة على شروط وجودها، وهيّأت الشاعر لاستخدام جسده، طبقات صوته، وحركات يديه، التي كانت جزءًا من النّص الشفاهي، لا تكتمل الأبيات بغيره، وتُظلم بإزاحته عنها:
- “ولقد دخلتُ على (الفتا...
ةِ) الخِدْر في اليومِ المطيرِ
الكاعب الحسناء (تَرْ..
فُلُ) بالدِّمقس وبالحريرِ
فدفعتُها فتدافَعَتْ..
مَشْيَ القَطَاة إلى الغديرِ
ولثَمْتُها فتَنَفَّسَتْ..
كتنفّسِ الظَّبي البهيرِ
فَدَنَتْ وقالت: يا (مُنَـ..
خَّلُ) ما بجسمكَ من حرورِ؟!
ما شَفَّ جسمي غير (حُـ..
بّكِ) فاهدئي عنّي وسيري
وأُحبّها وتُحبّني..
ويُحبُّ ناقتها بَعيري”!.
- يمكن لقارئ القصيدة اليوم، القصيدة المكتوبة، القصيدة المعزولة عن مشهدها وظرفها الشفاهي، أن لا يتحسّس طرافتها، وأن لا يرى في تلك الطرافة جمالًا وإبداعًا، لغياب قُدرة العين على أخذ مكانها الطبيعي في المشهد الشعري!. يمكنك بسهولة تتبّع المَشَقّة النّاتجة عن تقطيع الكلمات في الأشطر لـ”رسم” الوزن كتابيًّا!. بينما القصيدة في أصلها تتطلّب، فعلًا، رسم السّوق والتجمهر!، مع ترك الوزن للأُذُن لا للعين!.
- نرجع لأصل الموضوع: ليس هناك شيء اسمه مذهب فني، بمعزل عن بقيّة المذاهب، سواء كانت هذه المذاهب سابقة أو لاحقة له وعليه!. ليس هناك مذهب “مُحَاكَاة” أو “كلاسيكي” أو “رومانسي” أو “رمزي”، أو غيرها، بمعزلٍ عن، أو تضادّ مع، بقيّة المذاهب، فيما لو كان المبدع حقيقي، والعمل الفنّي فنّي بحقّ!. لا يحدث ذلك إلا في زمن الإفلاس وشظف المواهب!.
- الذين يتحدّثون، مثلًا، عن خُلُوِّ “الكلاسيكيّة” من العاطفة، ويتّهمونها بثُقل الإرشاد!، إنّما يتحدّثون عن أعمال التزمت ربّما، فعلًا، بالكلاسيكيّة، لكن مِنْ قِبَل أرباع موهوبين، أو من عديمي الموهبة أصلًا!. وكذلك الأمر بالنسبة للرّومانسيّة، التي من السهل الحصول على تشويهات حمقاء بلهاء لها، عند من يتّخذونها مذهبًا، ممِّن هم بلا موهبة من الأساس!.
- من لا يرى في الموناليزا “سرياليّة” ما، “تجريديّة” ما، لا يرى في أعمال سلفادور دالي، ولا في بيكاسّو، شيئًا، ولو ظلّ يمتدحهما من هنا لآخر يوم في حياته!. والعكس صحيح: من لا يرى في سلفادور دالي “انطباعيّة” ما، وفي بيكاسّو “واقعيّة” ما، فإنه قاصر عن فهم “دافينشي” وتتبّع سرِّه!.
- وإنّما يُصنّف الفنّان بمذهبٍ من المذاهب، لأنّ ذلك المذهب مُهَيْمِنٌ على، وغالبٌ في، في عمله، وليس لأنّه المسلك الوحيد في ذلك العمل!.
- هنا، فقط، ومع طوفان المواهب الضّحلة، فقط، يمكن لأيّ مذهب فنّي أن ينحطّ أسفل سافلين!.
- وأوّل علامات سُفُولِه تظهر في انعزاله عن بقيّة المذاهب. لا يتداخل معها. لا يأخذ منها ولا يعطي لها من نفسه شيئًا. يصير، أقرب ما يكون، إلى عقيدة متطرّفة، لا ترى في غيرها من المذاهب مِلَّةً صالحة!.
- الفنّان الحقيقي، أيًّا كان مذهبه الفنّي، لا يمكنه إلا التّداخل مع، وفي، بقيّة المذاهب المُعْتَبَرَة، والتي أثبت الزمن رسوخ قيمتها، وأثبتت أعمال أصحابها فاعليتها، وقدرتها على التغلغل في مشاعر الناس، وفي وجدان كل عصر!. من الآخِر: أثبتَ خلودها!. بل وأكثر!. أثبت قدرتها على التلويح بما سيأتي بعدها من مذاهب، كما أثبت أنها، وفيما لو سُحِبَتْ إلى زمن سابقٍ عليها، لأثْرَته!.
- أهم من أنصف “أبو نواس”، في رأيي، كان “أدونيس”!. مع الاحتفاظ لكلّ من “العقّاد” و”كامل الشّنّاوي” بتقدير خاص في هذا الشّأن!.
- أمّا قصيدة “المنخل اليشكريّ” ببيتها الشهير: “وأحبّها وتحبّني... ويحبّ ناقتها بعيري” فقد تحوّلت مع الزمن، أو كادت أنْ تتحوّل، إلى تهريج، وتُحوّل شاعرها إلى مُهرِّج، لولا إعادة “صلاح عبدالصّبور” لقراءتها من جديد، باستحضار مُعطيات قديمة!. عبر الشكل المسرحي الذي دعا صلاح عبدالصبور إلى ضرورة تمثّله في الذّهن، مؤكّدًا أنّ وجود القصيدة بيننا اليوم مكتوبةً فقط، يهضم حق الأبيات اليشكريّة، وبذلك يُفقد القصيدة شيئًا من طراوتها!.
- كانت التفاتة رائعة، حين تخيّل عبدالصبور، ودعا إلى تخيّل، شكل السّوق، والمارّة، والتجمهر، والدّواب، وجسد الشاعر، وكل المعطيات البصريّة التي بُنِيَت القصيدة على شروط وجودها، وهيّأت الشاعر لاستخدام جسده، طبقات صوته، وحركات يديه، التي كانت جزءًا من النّص الشفاهي، لا تكتمل الأبيات بغيره، وتُظلم بإزاحته عنها:
- “ولقد دخلتُ على (الفتا...
ةِ) الخِدْر في اليومِ المطيرِ
الكاعب الحسناء (تَرْ..
فُلُ) بالدِّمقس وبالحريرِ
فدفعتُها فتدافَعَتْ..
مَشْيَ القَطَاة إلى الغديرِ
ولثَمْتُها فتَنَفَّسَتْ..
كتنفّسِ الظَّبي البهيرِ
فَدَنَتْ وقالت: يا (مُنَـ..
خَّلُ) ما بجسمكَ من حرورِ؟!
ما شَفَّ جسمي غير (حُـ..
بّكِ) فاهدئي عنّي وسيري
وأُحبّها وتُحبّني..
ويُحبُّ ناقتها بَعيري”!.
- يمكن لقارئ القصيدة اليوم، القصيدة المكتوبة، القصيدة المعزولة عن مشهدها وظرفها الشفاهي، أن لا يتحسّس طرافتها، وأن لا يرى في تلك الطرافة جمالًا وإبداعًا، لغياب قُدرة العين على أخذ مكانها الطبيعي في المشهد الشعري!. يمكنك بسهولة تتبّع المَشَقّة النّاتجة عن تقطيع الكلمات في الأشطر لـ”رسم” الوزن كتابيًّا!. بينما القصيدة في أصلها تتطلّب، فعلًا، رسم السّوق والتجمهر!، مع ترك الوزن للأُذُن لا للعين!.
- نرجع لأصل الموضوع: ليس هناك شيء اسمه مذهب فني، بمعزل عن بقيّة المذاهب، سواء كانت هذه المذاهب سابقة أو لاحقة له وعليه!. ليس هناك مذهب “مُحَاكَاة” أو “كلاسيكي” أو “رومانسي” أو “رمزي”، أو غيرها، بمعزلٍ عن، أو تضادّ مع، بقيّة المذاهب، فيما لو كان المبدع حقيقي، والعمل الفنّي فنّي بحقّ!. لا يحدث ذلك إلا في زمن الإفلاس وشظف المواهب!.
- الذين يتحدّثون، مثلًا، عن خُلُوِّ “الكلاسيكيّة” من العاطفة، ويتّهمونها بثُقل الإرشاد!، إنّما يتحدّثون عن أعمال التزمت ربّما، فعلًا، بالكلاسيكيّة، لكن مِنْ قِبَل أرباع موهوبين، أو من عديمي الموهبة أصلًا!. وكذلك الأمر بالنسبة للرّومانسيّة، التي من السهل الحصول على تشويهات حمقاء بلهاء لها، عند من يتّخذونها مذهبًا، ممِّن هم بلا موهبة من الأساس!.
- من لا يرى في الموناليزا “سرياليّة” ما، “تجريديّة” ما، لا يرى في أعمال سلفادور دالي، ولا في بيكاسّو، شيئًا، ولو ظلّ يمتدحهما من هنا لآخر يوم في حياته!. والعكس صحيح: من لا يرى في سلفادور دالي “انطباعيّة” ما، وفي بيكاسّو “واقعيّة” ما، فإنه قاصر عن فهم “دافينشي” وتتبّع سرِّه!.
- وإنّما يُصنّف الفنّان بمذهبٍ من المذاهب، لأنّ ذلك المذهب مُهَيْمِنٌ على، وغالبٌ في، في عمله، وليس لأنّه المسلك الوحيد في ذلك العمل!.