|


فهد عافت
عيب لا أريد إصلاحه!
2022-02-06
ـ بالرغم من أنّ الكتابة، وبالذّات الكتابة في صحيفة يوميّة، هي في حقيقتها رسالة، مَا يعني تدخّل المُرسَل إليه فيها بالضرورة، وهذا يحدث عن طريق تخيّل الكاتب طبيعةَ قارئه، والتّصرّف بناءً على ذلك، حيث وفي حالة الكتابة في صحيفة بالذّات، لا يُمكن إغفال مهمّة القارئ في رسم الخريطة وأنّه لا بدّ من إشارات وعلامات وركائز متّفق عليها ضمنيًّا وسلفًا بين الكاتب وقارئ الصحيفة، وإلّا فلا معنى للرسالة ولا جدوى من المقالة!.
ـ أقول: بالرّغم من ذلك كلّه، ودون تجاهله أو التقليل من تقديره وشأنه، إلّا أنني ككاتب لا أفهم الكتابة، كتابتي، ما لم تكن موجّهة لي بالدّرجة الأولى، وغير المُقارِبَة لبقيّة الدّرجات في علوّها!. الأمر لا يخلو من أنانيّة، بل وأظنّها مُفرِطة، وقد يكون ذلك خطأً، وهو بالتأكيد يحمل عيبًا ما، غير أنّني لا أتفهّم الأمر، والأصحّ أنني حتى حين أتفهّمه، فإنني أظل عاجزًا عن إصلاحه، والأصحّ: لا أريد إصلاحه!.
ـ إنني أكتب لي، أُراسلني عبر الكتابة، وبديكتاتوريّة ليست بغيضة على قلبي، أتخيّل قارئ مقالاتي صورة منّي، بمعنى أنّ لديه نفس تساؤلاتي وشكوكي ونظرتي الساخرة تجاه بعض الأشياء والجادّة تجاه بعضها الآخر!.
ـ أحيانًا؛ أتخيّله أرفع منّي درجة أو أكثر، لكن ولأنّ هذا التّخيّل يُربكني، ويَتسَبَّب بتلعثمي، أجدني مضطرًّا للتّحايل على الأمر، وإنزاله منزلتي لأتمكّن من التّعبير بشكل أفضل. لكنني لا أقدر على تخيّله أقلّ منّي معرفةً وفهمًا وشكوكًا واهتمامًا. لا أهجر مثل ذلك التّخيّل تواضعًا، لكن لأنّ مجرّد التفكير فيه يجعلني لا أطيق الكتابة وأكره الكلمات بعنف لا يسمح لي بالبدء، فما بالك بالتّتِمّة؟!.
ـ كل ما يلزمني، أو كل ما أظنّه يلزمني ويلزم كل كاتب (وفي هذا يَفْرق الكاتب الصّحفي عن الصّحفي الكاتب!) هو الصِّدْق وليس الحقيقة!.
ـ بالنسبة لي: أنا أحد أقلّ الناس معرفةً بالحقائق، ولذلك أكتب!. أعني: أكتب على أمل أنْ ترتدّ لي، عبر الكلمات، هذه الحقائق “المرجوجة” في داخلي بشكل أكثر ثباتًا وتنظيمًا وترتيبًا بعد قراءتي لها، أي: بعد محاولتي الوحيدة المقدور عليها في فهمها والاقتناع بصحّتها وأحقيّتها في تشكيل هوّيتي وماهيّتي!.
ـ قلتُ: “محاولتي الوحيدة”، وفي هذا لَبْسٌ ما. فالقراءة بالنسبة لي محاولة مهمّة ورائعة في هذا الشّأن، لكنّني من النّوع الذي يُكثر من التخطيط بالقلم على بعض الفقرات والأسطر أثناء القراءة. وأظنّني الآن، الآن فقط، أتوصّل لأحد أسباب تلك الخربشة: أُخطِّط بالقلم، لأشعر أنّني من كتب تلك الفقرات أيضًا!. وعبر هذه الكتابة المُعادَة بالتّخطيط والخربشة والعَنْوَنَة وبعض الملاحظات السريعة التي أدوّنها في أي مكان فارغ من صفحة الكتاب، أحاول فهمي لنفسي: أدرّبني، وأجرّبني، وأقرّبني، وأُغَرّبني!.
ـ أكتب لأتثبّت لا لأُثْبِت!. على سبيل المثال، أنا أدري أنني أحب المكتبة وكرة القدم وأفلام السينما والأغاني وأشياء أُخرى. وعبْر الكلام الشفهي أستطيع فقط تأكيد هذا الحب، لكنني عبر الكتابة، الكتابة فقط، يمكن لي معرفة لماذا أحبّ كل تلك الأشياء!.
ـ ونعم، أجد في هذا الطريق تسليةً وعزاءً، وقارب نجاة إلى حين!. وأعظم مسرّاتي وأطيبها تلك اللحظة التي أُباغتني فيها بمفهوم جديد عليّ، أَنْتَجَهُ تعبير جديد منّي!.
ـ أنا أكثر قارئ يحتاجني ككاتب!. وكل ما آمله هو ألَّا أكون القارئ الوحيد المُحتاج لوجودي ككاتب!.