|




عبد المحسن القباني
فاتح تيريم للشباب أم للشجعان؟
2025-05-17
لا يظهر أننا نثمّن وجود الخبير التركي فاتح تيريم بيننا، فلا ناديه الشباب أعلن عن تمديد عقده، ولا الصحافة تغنت به أو حاورته، ولا اتحاد الكرة أرسل دعوات لمحاضرة يلقيها، وكأن برنامج التعليم المستمر يقتصر على مدربي الأندية الجماهيرية. كيف يصح أن تفتح اللجنة الفنية المايك لآخرين، ومنهم المدرب ستيفن جيرارد، وتغفل عن إمبراطور الكرة التركية؟. غريب حقًا أن يمثل هذا الاسم ناديًا في مسابقة مليئة بالضوء والحراك، وحاملة خطابًا دوليًّا ناعمًا، ثم يمر فاتح وكأنه وصف لعنوان رواية غازي القصيبي: «رجل جاء وذهب». مدرب يحمل كل الخصال لأن يكون من أركان الدوري. لكن مع مرور الوقت أدركنا أن شيئًا لم نستثمره في وجوده، لا فنيًّا، ولا إعلاميًّا، والنتيجة؟ موسم رمادي، وصمت يطوّق رجلًا يتقد حضورًا، وينبض قلبًا يبث الحياة لمن حوله.
إلى زملاء المهنة، ومعهم اللجنة الفنية في اتحاد القدم: يجب أن نستنطق الرجل، لأن لديه أكثر من التنظير عن مزايا الضغط العالي، فالكرة التركية عاشت صعودًا ثم أفولًا، وفتحت الباب للنجوم والمشاهير، وأوصدت الأبواب أمام الشبان، وتورطت في منتخبها الوطني، حتى لجأت لأتراك المهجر، وواجهت الإفلاس، وتراكم القضايا. لنسأله عن كل ذلك، وعن كيف يبث مدرب أجنبي روحًا وطنية للاعب منتخب؟ ما دور الحماسة في التدريب؟ ما الدروس التي سيقدمها حكمةً لمؤمن مثلنا يبحث عن ضالته؟. كل ما سيقوله مفيد لأن في الكرة التركية أمراض مشابهة، فكما قال صحافي تركي في إحدى وثائقيات DW الألمانية، أن كل رئيس نادٍ يتوهم أنه فلورنتينو بيريز على هرم ريال مدريد، وأن الصحافة منقسمة بين الأندية وتناصرهم أكثر من المنتخب، ويضخم الخطاب الإعلامي النجاح ويبالغ بالنقد، وأن الجماهير لا تغفر هفوات اليافعين، حتى بات معدل الأعمار في الدوري التركي من الأعلى في أوروبا. يا له من وصف يقترب من واقعنا، فيما يصف واقع غيرنا.

إلى النادي: المشهد يسير نحو نهاية صامتة. لا مؤشرات على تجديد عقده. ما الضرر في تمديده؟ هل القرار الشبابي خائف من نهج المدرب؟ معروف أنه يلعب كرة هجومية، ويرى حسب وصفه أن خسارة مباراة بالهجوم أشرف من الخسارة بالدفاع. يا لهذا المفهوم الشجاع. يبدو أنه محق، فمعدل الأهداف الشبابية قفز معه. ألم تلحظ رفع معدل التهديف للفريق؟ أحرز اللاعبون معه 47 هدفًا في 21 مباراة فقط، مقارنة بالمدرب المستقيل فيتور بيريرا الحاصد 49 هدفًا في 30 مباراة. هل يخاف القرار الشبابي من سمتي الإقدام والشجاعة؟ أم بصفته ناديًا غير جماهيري أراد أن يميل للرتابة واللعب الحذر، عاكسًا صرير المدرجات على أسلوب اللعب المبتغى؟

إن كان مايو شهر الفراق، فإن الخسارة ليست فنية فقط، بل ثقافية وإعلامية. لم نحسن استثمار تجربة رجلٍ يستطيع أن يحوّل الفريق إلى قصة، والمباراة إلى متعة، والعبارة إلى أيقونة، والتجارب إلى مستخلص. هذا الرأي، وتبقى ما أوصى به المتنبي: شجاعة الشجعان.