أحمد الحامد⁩
خارج المعتاد
2025-11-25
بعض الحكايات أشبه بدرس مكثّف، تغيّر تفكيرك، وتوسّع لك الرؤية، وربما تجعلك تعيد حساباتك من جديد. أما أجملها وأكرمها، فهي عن الأفعال التي قام بها فرد واحد من أجل الجميع. الملاحظ أن كل شخص بدأ بعمل فيه منفعة للجميع واجه العديد من الرفض، والتشكيك فيما يفعل، خاصة من الأشخاص الأكثر قربًا. في مالي لاحظ الطفل موسى أن والدته تسير 6 كيلو مترات بشكل شبه يومي لتجلب الماء من البئر البعيدة، فلا آبار في القرية التي يعيشون فيها، وكل محاولات العثور على الماء فشلت، حتى عندما جاء المهندسون من المدينة، فشلوا في العثور على للماء. عندما أصبح موسى في أول العشرين رأى أن عدم وجود الماء يعني صعوبة الحياة في القرية بشكل مستمر، خصوصًا للأم التي تربي الأولاد، وتقوم بأعمال البيت، وتجلب الماء من بعيد. أما الأطفال الذين كانوا يساعدون في جلب الماء فكان أغلبهم قد خرجوا من المدرسة، لأنهم لا يستطيعون الجمع بين الاثنين. فكّر موسى بالحل، لكنه فكر بطرق غير معتادة، لأن المعتاد مجرب وغير نافع. لاحظ أن النمل في القرية يبني مستعمراته فوق الأماكن الرطبة، وعلى عمق كبير، بدأ يرسم خرائط صغيرة لمواقع النمل واتجاهاتهم. حينها بدأ أهل القرية بالسخرية منه، ولا ألومهم فقد أسخر منه لو كنت واحدًا منهم. صارت عنده قناعة أن النمل يبني مستعمراته فوق الأرض التي يكون تحتها الماء، وإن كان على عمق كبير، أخذت دراسته تلك عامًا كاملاً، تحمل خلالها الكثير من النصائح بالتوقف، والكثير من التشكيك في صحة عقله، والاستهزاء بالنتيجة التي سيصل لها. أما والدته فكانت صبورة. حدد موسى المكان الذي سيحفر فيه البئر، طلب المساعدة من شباب ورجال القرية، وافق أصدقاؤه، وبعض من كانوا يبحثون عن أي بصيص أمل. بعد اليوم العاشر في الحفر غادر بعضهم، وغادر آخرون بعد اليوم الخامس عشر، وفي اليوم التاسع عشر تفجر الماء! كان حدثًا كبيرًا، سمع فيه المهندسون الذين جاؤوا يستفسرون من موسى، لم يصدقوا ما قاله لهم، حتى أثبته لهم عندما حفر الآبار في القرى المجاورة متتبعًا النمل. الوحيدة التي لم تستغرب ما فعله موسى هي والدته، قالت أنها تتذكر جيدًا عندما وعدها قائلًا: سأحضر الماء لك هنا!.