2017-08-30 | 03:46 مقالات

وناس تموت من الضحك

مشاركة الخبر      

‏لأنهم يضحكون الناس تظهر شعبية الممثلين الكوميديين جارفة وكبيرة وطاغية، ويحصلون على أعلى الأجور في السينما والتلفزيون، ويحصدون المشاهدات الأعلى على شباك التذاكر في كافة دور العرض طوال الموسم.. طبيعي أن يستقطع الممثل المبدع والجاد نصيبه من الكعكة، لكن الكوميديين يتصدرون القائمة وفي كل مكان.. والسبب واضح؛ فالناس تفتش عما يسليها ويضحكها ويريحها من صخب الحياة ومعتركاتها المزعجة..

 

ومن اليوم ورايح، اضحك كما تريد، لكن انتبه تموت من الضحك.. احذر حتى تقول هالكلمة.. أقصد "أموت من الضحك"؛ لأنها صارت فعلاً حقيقة.. امرأة أمريكية ماتت من الضحك.. ناس تموت من الغبن والقهر وناس تموت من الضحك.. وتعددت الأسباب والموت واحد، كما كان يقول ابن نباتة السعدي..

 

وفي تفاصيل الحكاية التي روتها صحيفة الإندبندنت البريطانية، أن امرأة أمريكية تدعى شارون ريجولي، البالغة من العمر خمسين ربيعًا، ذهبت لزيارة صديقة قديمة لها في المكسيك، وهناك كان القدر المحتوم في انتظارها.. وبعض الأصدقاء ما يجي منهم غير المصايب.. 

 

واستأجرت شارون شقة قريبة من سكن هذه الصديقة، وكانت ابنتها تصحبها في الرحلة الأخيرة.. وبينما كانت السيدة شارون تستمتع بجلسة ودودة على شرفة الشقة العالية ومعها ابنتها العشرينية وصديقتها المكسيكية، روت الابنة نكتة أدخلت الجالسين في نوبة ضحك هستيرية؛ الأمر الذي لم تتمالك معه شارون نفسها، وقامت وفقدت توازنها وحاولت الاتكاء على سياج الشرفة الذي كان متهاويًا؛ فهوت إلى الأسفل تجر معها ضحكاتها وصرخاتها الأخيرة، وهرعت سيارات الإسعاف ونقلتها ومكثت في العناية المركزة سبعة عشر يومًا، حاول خلالها الأطباء إنقاذها بشتى السبل، إلا أنها كانت سائرة إلى مثواها الأخير..

 

عاشت شارون على أجهزة الإنعاش حتى اقتنع أهلها أن الأمل في حياتها وعودتها مجددًا إلى الطبيعة انقطع تمامًا، ثم وافقوا على قطع الأجهزة عنها، ووافقوا على التبرع بأعضائها التي استفاد منها خمسة أشخاص مكسيكيين على حد زعم الصحيفة الإنجليزية.. وبالتأكيد هناك عبر ودروس من هذه الحادثة العابرة، يأتي في مطلعها الحقيقة الماثلة على تصاريف الأيام؛ فهذه امرأة طارت من أمريكا لتموت في المكسيك، وتبقى في المستشفى ويرتضي ذووها التنازل عن أجزاء من جسدها لتنقذ خمسة أشخاص هناك.. أما أقل وأصغر وأبسط العبر والدروس والفوائد، أن الضحك الذي يقال إنه يموت صار فعلاً وحدثًا واقعيًّا وليس مجرد شعار للمبالغة والإعجاب..

 

السيدة شارون ضحكت حتى راحت في حال سبيلها.. وما أكثر الذين ضحكوا في حياتهم كثيرًا وطويلاً، ثم أماتهم الحزن والألم والفراق.. والأمثلة في هذا السياق تحتاج إلى مساحة شاسعة، وطالما أن الذين نقلوا الخبر هم الإنجليز، فلا بد أن نتذكر أن رئيس وزرائهم الأسبق جيمس كالاهان مات عام 1995 متأثرًا بالتهاب رئوي عقب عشرة أيام فقط من وفاة زوجته أوردي، وأرجع الأطباء حينها رحيله إلى حالة الحزن التي سيطرت عليه لفقدان المدام.. 

 

اضحك للدنيا تضحك لك لكن انتبه تضحك في شرفة عالية إذا كنت من السياح الذين يقضون إجازتهم عند أصدقائهم المكسيكيين مثل شارون.. أما الموت يا صاحبي فهو قادم بالضحك أو بالحزن أو من دونهما.. ربنا ارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه..!!