سفير الرياضة لدى المجتمع
ثمة أشخاص استمدوا حضورهم الإعلامي وربما المجتمعي من خلال علاقات شخصية.. أو انتماءات لتوجيهات معينة.
ولا أعني بهؤلاء الأشخاص المنتمين للرياضة أو لكرة القدم على وجه الخصوص.. بقدر ما أعني المنتمين للمجالات الإبداعية على وجه العموم.. حتى وإن كانوا أقل إبداعاً وعطاءً من قرناء لهم في نفس المجال.
وآخرين استمدوا هذا الحضور من خلال انتمائهم لكيانات معينة لها حضورها سواء على مستوى المجتمع أو الإعلام.
قليلون.. خاصة في المجال الرياضي وتحديداً الكروي منه، الذين استمدوا هذا الحضور بعطائهم داخل الميدان.
وأقل منهم من ناله بعطائه داخل الملعب واحترامه لذاته وللآخر خارجه.
أما (النادر) فهو ذلك الذي نقل حضوره في مجتمعه المحدود والمعروف من خلاله.. إلى المجتمع بصورة عامة.
هنا يختلف الوضع، ويصبح هذا الحضور مفروضا على هذا المجتمع، وعلى الإعلام الذي هو جزء منه، ويتحول هذا الإعلام إلى باحث عن هذه الشخصية كوسيلة يحقق من خلالها أهدافه الذاتية من جهة.
ويمارس جزءاً من جهة أخرى.
نواف التمياط
الذي برز في المجال الرياضي كلاعب كرة ومنه انطلق، وأصبح له حضوره المميز.
هو نواف التمياط الذي مارس أدواراً اجتماعية عبر مؤسسات المجتمع المدني، أو من خلال ذاته.
وربما كان "نواف" الوحيد في المجتمع الرياضي الذي كان له هذا الحضور وبهذه الصورة.
وربما كان من النادرين.. إن لم يكن الوحيد من الذين امتد حضورهم من مجالهم الإبداعي إلى مجالات مجتمعية أخرى.
هذا الحضور لنواف لم يكن ليتأتى لولا توفيق الله سبحانه وتعالى أولا وأخيراً.. ثم لعاملين أساسيين:
أولهما :
تربية سليمة، وتنشئة صالحة في (بيئته الصغرى) انعكست على شخصيته، وتواجده في (بيئته الكبرى).
ثانيهما :
استعداد فطري وثقافة ذاتية لممارسة هذه الأدوار والتفاعل معها.
والأولى.. لاشك توفر ولله الحمد لكثيرين من أبناء هذا المجتمع في كثير من المجالات.
أما الثانية فهي تحتاج لمواصفات معينة في الشخصية الممارسة لهذا الدور، دون أن نغفل الأول كعامل أساس في هذا الجانب.
لن أتحدث كثيراً عن الجانب الرياضي، أو الكروي في نواف التمياط.
فقد أسهب الإعلام في ذلك كثيراً وهناك من هو أقدر مني وأعرف مني بذلك التاريخ، وربما لم يكن مكانه هنا، والذين تابعوا مسيرته الكروية يدركون حقيقته.
ويدركون أن (نواف)..
إذا لعب أبدع
وإذا أبدع أمتع
وإذا أمتع أطرب
لم يكن ذلك داخل الحدود فقط، لكن هذه المتعة نقلها معه خارج الحدود ففرض حضوره هناك.
في نظري أن (نواف) هو الأكثر بين اللاعبين تحقيقا للألقاب، سواء على الصعيد الشخصي أو مع ناديه، أو المنتخب قياساً بعمره الزمني وتاريخه الكروي.
الفترة التي عاشها "نواف" في الميادين الرياضية ليست كافية ليقدم فيها اللاعب ما لديه من إمكانيات وخبرات أو عطاءات، لكن (نواف) بما يملكه من استعداد استطاع أن ينجح في رسم مساحة تحرك خاصة به تتجاوز حدود الدائرة التي رسمتها الإصابة، وأن يحقق ما عجز عنه آخرون، بعد أن فرضت عليه هذه الظروف اختصار الزمن.
والمتابعون لمسيرة نواف الكروية أو الذين قرأوا سيرته يدركون أنه تعرض في بداية هذه المسيرة وتحديداً بعد أسبوع واحد فقط من دخوله المجال وتسجيله في النادي إلى إصابة في "الرباط الصليبي" أبعدته عن المجال سنة كاملة.
كان ذلك قبل خمسة عشر عاما مما يؤكد صعوبة الموقف في ظل التطور السريع في التعامل مع الإصابة الرياضية.
هذا الموقف كان كفيلا بأن يولد ردة فعل لدى هذا الفتى الصغير تجاه الكرة يراجع فيها نفسه ومستقبل حياته.
وتوالت الإصابات.. فلم يكن هناك موضع في رجله إلا وفيه أثر من كل منها كان لإيقاف مسيرته الكروية، لكن نواف استطاع أن يتجاوز هذا كله لسببين رئيسيين:
ـ أولهما :
إرادة قوية مستمدة من إيمان بالله أقوى.
ـ ثانيهما:
التزام ديني وانضباط سلوكي.
وهما عاملان كافيان للنجاح في أي مجال.
وتجاوز أي عقبة في الحياة.
قلت إنني لن أتحدث كثيراً عن نواف الرياضي.. لكنها تداعيات فرضت نفسها، كما فرض "نواف" نفسه على الجميع.
تابعت كثيراً من الآراء والأقوال حول نواف وعنه، سواء في وسائل الإعلام أو الكتيب الذي أصدرته اللجنة الإعلامية عنه، ففوجئت بأسماء كثيرة خاصة من خارج المملكة لم تكن تخطر ببالي تحدثت عنه.
لكنني لم أتفاجأ بما قالته.. إجماع.. لم يكن مسبوقا على
فنه وأداءه..
مهارته وعطائه..
إخلاصه ووفائه..
شخصه وشخصيته.
وإذا كان الانتماء لمجتمع معين أو ثقافة معينة يمكن أن يضيف للمنتمي بعداً آخر في حياته.
فإن الحقيقة تؤكد أن انتماء "نواف التمياط" للمجال الرياضي أو الكروي تحديداً هو الذي أضاف لهذا المجال أبعاداً أخرى أكثر مما أضاف إلى نواف.
لقد استطاع نواف أن ينقل الروح الرياضية من مساحة مغلقة إلى دائرة أكثر اتساعاً.
ومن مجتمع محدود.. إلى المجتمع اللامحدود.
لم يكن يعترف بجغرافية المكان.
ولا بمحدودية الزمان.
كان يؤمن بأن الإيمان القوي بالمبادئ هو القوة الحقيقية لتحقيق الطموحات.
لقد أعطى (نواف) بعداً جديداً للرياضة.
ومفهوماً حقيقياً لشخصية "الرياضي".
لأنه يدرك كما يدرك آخرون أن للرياضة معان سامية، وفيها قيم نبيلة.
لكن الفرق بينه وبينهم أنه كان يملك القدرة على استشعار هذه المعاني.
ويملك إمكانيات البحث عن تلك القيم.
فاستشعر المعاني وعثر على القيم، وعرف كيف يوظف ذلك كله في خدمة المجتمع.
أعترف إنني وإن كنت أعرف بعضا من شخصية نواف.. وغيري ذلك فإننا جميعا لم نكتشف جوانب أخرى إلا بعد الاعتزال أو في حفل الاعتزال وعبر شهود العصر، ممن زاملوا نواف أو تعاملوا معه عن قرب و(أنتم شهداء الله في أرضه) هذه الجوانب التي تتعلق بالجانب الخيري في (نواف الإنسان) وهو الجانب الذي لا يعنى فقط بمساهمته في الجمعيات الخيرية وتفاعله معها، ولكن أيضا في ذاته، وعطائه ومواقفه مع الآخرين.
لقد أثبتت "السيرة الرياضية" لنواف التمياط أن الرياضة لم تكن غاية في يوم ما، لكنها وسيلة لتحقيق غايات سامية.
وأثبتت أن الرياضة لم تكن سببا رئيسياً في "الخروج عن النص" بكل ما يحمله هذا التعبير من معنى شمولي.
وأن الرياضة لم تكن ذات يوم عائقاً أمام الشخص لتحقيق طموحاته سواء الذاتية، أو على صعيد المجتمع كعضو فاعل فيه.
الرياضة لم تكن ولن تكون كذلك متى ما أدرك الشخص الإرادة والثقافة الذاتية، للتعامل معها وأطيافها.
لقد استطاع نواف أن ينجح في جعل حضوره الرياضي يسير في حضوره الاجتماعي والذاتي وهي صفة نادرة لا يمكن أن تتحقق لدى كل إنسان.
نعرف أن كثيراً من الأشخاص يبدأون ممارسة حياتهم الاجتماعية وتحقيق هذا الحضور والمساهمة فيه، بعد انتهاء حياتهم الوظيفية (التقاعد) هذا إذا مارسوا هذا الدور.
وإن الرياضيين – إلا ما ندر – لا يمارسون هذا الدور مطلقا سواء أثناء حياتهم الكروية أو بعدها، بل ربما لام البعض منهم الرياضة، وأعلن ندمه على دخوله المجال.
لكن "نواف" أثبت عكس ذلك وخطأ هذه النظرية.
فمارس كل الأدوار..
تفوق تعليمياً
وأبدع رياضيا
ونجح اجتماعياً
حتى في يوم اعتزاله لم تأخذه فرحة المناسبة.. ولا بهجتها..
ولا همها.. ولا مشاغلها..
ولا أهمية الحدث.. أو رهبته..
لم يشغله ذلك كله عن ممارسة دوره الإنساني والخيري وهو يرتدي الرقم الخاص بدعم جمعية رعاية الأطفال المعاقين، وهو أحد الأعضاء الفاعلين فيها.
وأن يكون لجمعية رعاية مرضى الفشل الكلوي حضورها بين الجماهير.
وهذا أضاف بعداً آخر للمناسبة، ودعماً لهذا العمل الخيري تفاعل معه جمهور محب للخير كما هو محب لنواف، لأنه – أي الجمهور مجبول على حسب الخير. ويحتاج فقط للتذكير.. وكان (نواف) وسيلة التذكير هذه.
والحديث عن نواف.. يطول..
والحديث عن مسيرته.. ذو شجون..
لكن سيرة نواف وتاريخه الكروي يجب أن تظل كتابا مفتوحاً للنشء.. يقرأونه باستمرار وينهلون من معينه العذب، يعرفون من خلاله كيف يرسمون طريقهم للنجاح، وكيف يلتمسون طريق المستقبل.
وأن يظل (نواف) حاضراً في المجال الرياضي، وحاضراً في ذهنهم.. ومحاضراً عليهم عن هذه السيرة.
وعن قصة "رياضي سبق عصره، واختصر زمنه.. فنجح في أن يجمع المجد من جميع أطرافه في زمن قياسي".
والله من وراء القصد.