الأهلي وبرشلونة.. ليلة الأبطال
من الجميل والمبهج أن توجه الدعوة لناد سعودي بطل، لمواجهة أعرق وأفضل أندية العالم برشلونة، في وقت تخسر الأندية الكثير من الأموال في سبيل إقامة مناسبات كروية بهذا الحجم. هذا الأمر إن دل على شيء فإنه يدل على أن الكرة السعودية بدأت في تلمس خطواتها نحو الخروج من المحلية إلى آفاق أرحب لكسب الاحتكاك والاستفادة من مثل هذه المواجهات لصقل إمكانيات لاعب كرة القدم السعودي المقبل على مواكبة العمل الاحترافي والاستثماري وعصر التخصيص، وفي نفس الوقت فإن الأهلي بطل الثلاثية كان قد أسس ثقافة احترافية مبكرة في هذا الشأن، فهو أول أندية الوطن في استقطاب الفرق والأندية الكبيرة والمنتخبات العالمية والنجوم الكبار في عز أمجادهم وشهرتهم مثل كرويف وجوليت ومارادونا، وكانت وسائل الإعلام آنذاك مبهورة بهذا العمل والتنظيم الأخاذ والاندهاش لتواجد هؤلاء النجوم فعليا، بفضل تواجد إدارات محترفة تقوم على المصداقية وعدم تقديم الوعود باستقطاب نجم أو منتخب عالمي إلا في حال الحصول على ضمانات وتأكيدات قبل الإعلان الرسمي، مما ينعكس إيجابًا على العلاقة بين الجمهور والإعلام من جهة والنادي من جهة أخرى في الموثوقية والمهنية والمصداقية، كما فعلت إدارة الأمير خالد بن عبدالله عندما استقطبت مارادونا في اليوبيل الذهبي وغيرها من المبادرات كحضور منتخبات عالمية مثل منتخب البرازيل وأندية أوروبية وبرازيلية كبيرة، واليوم يعيد التاريخ نفسه ولكن بشكل مختلف، حيث استفاد الأهلي من شريكه التجاري العملاق الخطوط القطرية في إقامة مواجهته المرتقبة أمام برشلونة في العاصمة القطرية الدوحة لأهداف دعائية واستثمارية وإشباع نهم الجماهير في مشاهدة المتعة الكروية والنجوم الكبار، وشريك الأهلي التجاري بهذا الدور أعطى مثالاً حيًا للشراكة الحقيقية والتفاعل مع الجماهير وتحقيق المكتسبات من وراء إقامة مثل هذه المواجهات التي ينتظرها عشاق الكرة في الخليج، بحكم أن المباراة تقام على أرض خليجية وأحد طرفيها أحد أقدم أندية الخليج النادي الأهلي صاحب الباع الطويل في مثل هذه المناسبات الراسخة في الأذهان.
ـ بعض الإعلام لدينا لا يستوعب إلا متأخرًا أهمية هذه المواجهات في تطوير الكرة السعودية، وتواجد فريق عالمي بحجم برشلونة لمواجهة سفير الوطن النادي الأهلي، وكأن هؤلاء يؤكدون بما لايدع مجالاً للشك أن التعصب الرياضي لدينا بدأ يسلك طريقًا جديدًا في التعامل مع حدث رياضي كبير كهذا، ويغلب عليهم دائما النظر إلى المناسبات الكروية من ناحية الألوان لا الأهداف والمقاصد والعمل الاستثماري، هذا القصور في الفكر لدى البعض من الإعلاميين يستوجب منهم إعادة النظر في ظهورهم المخجل أمام الجماهير الواعية التي تتفهم أبعاد مثل هذه اللقاءات وانعكاساتها الإيجابية في جميع الاتجاهات الكروية والتجارية والدعائية، ووجوب أن يكون هناك نضج فكري في التعامل مع الاتجاهات الحديثة لكرة القدم في العالم، بينما لو كانت أنديتهم المفضلة طرفًا فيها لبحثوا في معاجم الكرة وكتبها للحديث عنها واستجلاب الأفكار والمصطلحات بكل اللغات.
ـ النظرة في مثل هذه المباريات ليست للنتيجة بقدر ما هي لزيادة الثقة والاحتكاك بالنجوم الكبار واكتساب تجربة احترافية قوية، بل إن هناك جوانب خارج ميدان كرة القدم جديرة بالإشارة والتنويه لما لها من تأثير في العمل الإداري، وأعني بذلك فريق عمل الإدارة والاستثمار في النادي الأهلي، الذي تواجد جنبًا إلى جنب مع نظرائه في برشلونة لتدارس ترتيبات هذه المناسبة من جميع النواحي، وكأني به قد اكتسب هو الآخر ثراءً معرفيًا في الجوانب الاستثمارية والقانونية في مثل هذه المناسبات.
ـ لا أزعم بأن الأهلي وحيد في هذا المضمار، فهناك أندية قد تقوم بما قام به الأهلي وتملك الفكر الناجح والإدارة الحية المتفاعلة، لكن تطبيق الأفكار وخوض الصعاب في العمل الاستثماري وطرق جذب الجماهير والمصداقية مع الجماهير لم أشاهدها بوضوح سوى في الأهلي، فالكلمة في هذا النادي لها قيمتها ووزنها بينما نرى في أندية أخرى شخصيات رياضية تتلاعب بعواطف الجماهير إعلاميًا وتعد بالمناسبات الكروية وحفلات الاعتزال ووعود الدعاية والشراكة التجارية دون أن تظهر هذه الوعود لحيز الوجود .. لذا دائمًا ما نؤكد أن صدق الكلمة والشفافية والوضوح هي من توثق علاقة الجماهير بأنديتها، وعلى الأندية أن تواكب الفترة المقبلة بالعمل الاحترافي القادر على صياغة منهج جديد في علاقتها بجماهيرها من جهة وشركائها في الاستثمار من جهة أخرى.
ـ السومة وتيسير في مواجهة ميسي وسواريز، والجماهير في لحظات انتظار للمتعة الكروية دون قلق، فما أجمل أن تعيش لحظات الإبداع وفنون الكرة دون أن يترتب على تلك الخطوة خسارة نقاط أو لقب، فيمكن على إثرها تسجيل هذه اللحظات في ذاكرة الزمن الجميل.. أهلا ببرشلونة ومرحبًا بالأهلي في ليلة الأبطال.