الفن: حكاية الحكاية!
ليست هناك حكاية واحدة. كل حكاية حكايتان على الأقل: الحكاية نفسها، وحكايتنا للحكاية!.
ـ قد تكون الحكاية نفسها كذبة وقد تكون حقيقة، لكن حكايتنا للحكاية حقيقة مؤكّدة!. لو لم يقم أحد بحكايتها لما صارت حكاية أصلًا!.
ـ من هنا أخذ الفن الروائي قيمته. من كونه حقيقة مؤكّدة لما لا ندري ما إذا كان في الأصل حقيقة أم لا!. ثم علا شأنه عندما نجح في إقناعنا بتجاهل هذا الذي لا ندري حقيقته من كذبه!.
ـ لا يمكن لـ"حكاية الحكاية" أن تكون كذبة!. لو قال أحد إنه سمع حكاية كاذبة، تكون الحكاية الحقيقية هي "حكاية الحكاية" وهي أنه "كان هناك أحد قال إنه سمع حكاية كاذبة"!.
ـ يصير الممكن فقط هو التفكير فيما إذا كان ما سمعه صحيحًا وحقيقة أم أنه بهتان وكذب، أمّا حكاية أنه "قال إنه سمع حكاية كاذبة" فهي حقيقة طالما سمعنا الجملة منه أو قرأناها له!.
ـ وعليه، فإن حكاية ما هو "حقيقي" أو "غير حقيقي" أمر لا علاقة له بالفنّ الروائي، ولا بالفن عمومًا!. على الأقل: الفن لا يبدأ من هنا!.
ـ الفن يبدأ من قدرتك على ضبط الإيقاع، والتّمتّع بأسلوب، لتحقيق أمرين: أن نُصدِّق حكايتك التي هي حكاية لحكاية، وأن نستمتع بها!.
ـ ليس مهمًّا حتى أن نُصنّفها، فنقول هذا شعر أو هذه مسرحية أو هذه رواية أو لوحة فنيّة، هذه مسألة عليك تركها لنا، واستمتع أنت بتقاتلنا اللفظي حول تصنيف حكايتك، وليضعها كل واحد منّا في الرّف الذي يريد!.
ـ المهم أن تكون قادرًا على إقناعنا بأنها حدثت أو يمكنها أن تحدث، وأن تنجح في صناعة متعة بطريقتك في سردها!.
ـ نحن عندما نُشاهد فيلمًا لجيمس بوند مثلًا، نستمتع بأحداثه ونصدّق بشكل أو بآخر إمكانية أن يحدث كل هذا العجائبي والمستحيل!، لكننا فيما لو شاهدنا في جزء من مشهد رأس أحد المصوّرين خلف الكاميرا، سنهجر الفيلم ولن يعود بإمكانه لا إقناع ولا إمتاع!.
ـ عندها، سيكون الفيلم هزيلًا، والهزيل ليس فنًّا!.