تخصص
منذ أيام وحديث الزميل في عقلي، سألته عن سبب تمسكه في التخصص الذي هو فيه، ولماذا لا يتوسع في مجال آخر، قال بأن سبب ذلك هو نصيحة تلقاها قبل سنوات وكانت ثمينة جدًا.
قال: آخر مرة أكلت فيها عند المعلّم أبو سمير كانت قبل كورونا، تذكرته قبل أيام عندما ظهر على شاشة التلفزيون برنامج عن الطبخ، ولو كنت صاحب برنامج تلفزيوني لصوّرت حلقة عن أبو سمير ومطعمه، كيف يُعد طعامه ويدير العاملين، وما هو السر الذي يحمله في يديه لكي يجهّز طعامًا لذيذًا للدرجة التي لا تَنسى فيها الطعم، ولكي يعرف الناس أن السر الأكبر في نجاحه أكبر من طعام لذيذ وخدمة ممتازة في مطعم نظيف، هناك ما هو أعمق. في تلك الليلة وبعد أن تجاوزت الساعة الحادية عشرة أغلق المطعم باب الدخول، وكنت من الزبائن الذين يتناولون الطعام، جلس أبو سمير على كرسي الطاولة القريبة، تبادلنا التحية ثم تعارفنا على بعضنا، عبرت عن إعجابي بالطعام وشكرته لأنه يقدم طعامًا لذيذًا، ثم سألته متى تعلمت فن الطبخ؟ أجاب بأنه تعلم وهو في الثلاثين من عمره، حينها قلت له: اكتشفت موهبتك وأنت في الثلاثين؟ اعتقدت بأنه متواضع عندما أجاب بأنه لا يعتبر نفسه موهوبًا في هذا المجال، لكنه أجاب إجابة فسرت كلامه، قال بأنه لا يقدم إلا أربع وجبات فقط، ولا يعرف إعداد شيء آخر، حتى صحن الفول لا يعرف كيف يعده بصورة جيدة، وهذا هو سر نجاحه، طلبت منه تفسيرًا أكثر، فقال: أنا نجحت لأني ركزت، أربعة أنواع من الأطعمة جميعها لذيذة أفضل من قائمة طعام طويلة متفاوتة المستوى، ثم قص حكايته بشكل مختصر: كنت عاملًا في مطعم قبل أكثر من عشرين عامًا، ويبدو أن السبب الذي أحبني فيه صاحب المطعم أنه كان يشاهدني كيف أبذل جهدًا حقيقيًا أثناء عملي، وأهتم بالتفاصيل الصغيرة، كنت أبذل ذلك الجهد لشعوري بمسؤولية المال الذي كنت أتقاضاه، فأبذل جهدًا أكبر لكي يرتاح ضميري، كنت أحاول أن أبذل جهدًا أكبر من اليوم السابق، قال لي صاحب المطعم بعد عام من العمل بأنه سيعلمني أربعة أنواع من الوجبات فقط، ولن يعلمني شيئًا أكثر، تعلمتها وصرت بعد عدة أشهر أعدها بدلًا من صاحب المطعم، بعد ثلاث سنوات وبعد أن جمعت مبلغًا من المال فكرت في أن أفتح مطعمًا، فاتحت صاحب المطعم الذي أعمل فيه، شجعني على الفكرة، وعندما جاء وقت مغادرتي نصحني النصيحة التي حققت لي النجاح، وهي سر ما أنا فيه، قال لي: عليك أن تركز في الوجبات الأربع، لا تقدم شيئًا آخر، وعندما تفتتح مطعمك لا تعمل في عمل آخر، ولا تشغل تفكيرك في ما هو خارج حدود مطعمك، نفذت وصيته، وحققت النجاح بالتخصص، صار هذا المطعم هو عالمي الذي أعرفه، أسيطر على كل شيء هنا، جودة الطعام ونظافة المكان ومعاملة الزبائن، قد تسألني هل أجيد فعل شيء آخر خارج حدود المطعم، وسأجيبك بلا، كما أن عمل شيء آخر غير مطلوب مني، طالما أجيد فعل شيء واحد بصورة ممتازة. مشكلة الكثير من الناس أنهم يعرفون فعل أشياء كثيرة، لكنهم لا يتميزون بفعل شيء واحد من هذه الأشياء بصورة مميزة ومتفردة.