حارة
وقراءة
ـ في أيام الطفولة، كنت أزور صديقي في بيته، لم يكن رفيق يوميات، قد يكون السبب أن بيته في آخر الحارة، والأطفال لا يفضلون الابتعاد كثيرًا عن بيوتهم، اكتشفت لاحقًا أن هذا الشعور يزول عند الشباب، ثم يعود مرة أخرى بعد أن يتقدم الإنسان في العمر وبعد أن (يدوخ) من مشاوير العمر.
كان صديقي أنيقًا على غير عادة الأطفال آنذاك، في زمن كان المشي واللعب حافيًا من سماته، على يسار الداخل إلى بيته غرفة كبيرة، عادة تكون (ديوانية) عند بيوت الحارة التي تشابه بعضها، لكن والد صديقي حولها إلى مكتبة، في حارة لم يكن فيها إلا قارئان اثنان، كان والد صديقي يخطف الداخلين بنظرة من خلف نظارته السميكة، تلك النظارة التي لم أنسها يومًا وأتذكرها بمجرد مشاهدة ما يشبهها، لأن صديقي عندما غضب من أبيه يومًا لأنه لم يشترِ له (دباب) علّق غاضبًا وهو ينثر الكلمات: نظارات أبوي كنها استكانة شاي! ثم ندم سريعًا على ما قال وجاء في اليوم التالي يأخذ مني العهود أن لا أبوح بما قاله عن نظارة أبيه، أقسمت له بأنني لن أفعل، كانت عيناه على وشك الانهيار، لكنهما تماسكتا بعد أن شعرتا بصدق عهودي، كان يدرك أن أطفال الحارة لن يفوتوا هذا (الإفيه) ويحفظونه، كان والده ينادي كل طفل من أطفال الحارة دخل بيته، يقف ويسلم عليه كأنه يصافح رجلًا كبيرًا، كان يسأل عن أحب الدروس لنا، وإذا ما نحفظ شيئًا ننشده عليه.. وعندما نكون أكثر من طفل كنا نكتم ضحكاتنا التي غالبًا ما تنفجر، وفي كل مرة، كان يعرض علينا ما نقرأه من مكتبه: خذ هالكتاب فيه قصص حلوة وتناسب عمرك.. رجعه بس تخلص قراءته.. اليوم عندما أتذكر أناقة صديقي وإخوته، والهدوء الذي في بيتهم الذي يسوده النظام أعرف السبب، كان في بيتهم مكتبة.
ـ أجمل ما في قراءة التاريخ أنه يظهر لك الأخطاء الماضية، أما الفائدة ففي تجنب هذه الأخطاء، لذلك قيل من لا يقرأ التاريخ يكرر أخطاءه. ما الحل إذن فيمن لا يقرأون ولا يحبون القراءة، هل يكررون أخطاء الماضي؟ غالبًا نعم، والحل في أن يقرأوا في أخطاء ماضيهم لكي يتجنبوها في مستقبلهم، على أن يعترفوا أولًا أنهم أخطأوا، أما الذين يعتقدون بأنهم بلا أخطاء فلا عليهم بكل ما ذكرته وليكملوا حياتهم بهذه الثقة المستحيلة. مرض أحد الزملاء فاتصل به زميل آخر، وكانا من جنسيتين عربيتين، قال المتصل للمريض محاولًا أن يبعث فيه النشاط: كفّارة إن شاء الله، ويقصد أن الله يغفر للمريض ذنوبه على ما ألم به من تعب، فأجاب الزميل المريض: كفّارة من إيش يا أخي؟ فأجاب المتصل: من الذنوب، فقال المريض: من الذنوب؟ وأنا من وين ليّه ذنوب؟! كان المريض في مراحل الشفاء الأخيرة وهذا ما شجع الزميل المتصل بالقول:.. الله يشفي عقلك بعد ما شفى جسمك.