هكذا فقدت لياقة المشي
كانت لدي لياقة عالية في المشي، كنت أستطيع المشي عدة كيلو مترات دون توقف، أثارت لياقتي غيرة زملائي الذين تساءلوا: كيف استطعت الاستمرار في المشي اليومي، لقد كنّا نبدأ بممارسة رياضة المشي لكننا نتوقف بعد عدة أيام بسبب فقداننا للدافع.
الصراحة أنني لم أتقصد الحصول على اللياقة من خلال التمارين، بل جاءت بظروفها، وأجمل ما يحصل عليه الإنسان هو ما تأتي به الظروف دون تخطيط مسبق منه، كنت كلما جلست مع شخص وصار يتحدث عن الحرية التي ينعم بها الغرب تركته وابتعدت عنه ماشيًا قدر استطاعتي.
في البدايات كنت أبتعد كيلو مترًا واحدًا، ومع الوقت ومع كثرة الذين كانوا يتحدثون عن الحرية الغربية بإعجاب صرت أكرر الابتعاد عنهم ماشيًا أكثر كيلو مترًا واحدًا، ثم صرت أتقصد أن أزيد مسافة المشي أكثر، خصوصًا إذا عبّر المتكلم عن إعجابه الشديد بكل حماسة واندفاع، للدرجة التي لا يعطي الآخر دقيقة من الوقت للنقاش لكي يقول رأيه، بل لا يعطيه عدة ثوانٍ لكي يقول له مع السلامة، لذلك غادرت الكثير من تلك النقاشات من دون أن أقول مع السلامة، لكنني أدين لتلك النقاشات الأحادية بالفضل الأكبر كونها هي من تسببت بحصولي على اللياقة الفعلية، لأن المسافات التي كنت أقطعها مبتعدًا عن المعجبين بالحرية الغربية كانت طويلة.
ولأن لا شيء يدوم على حاله، لم تدم لياقتي أيضًا، فقد كشفت الأحداث الماضية للمعجبين بحرية الغرب أن هذه الحرية تتبخر إذا ما كانت تتعارض مع مصالحهم، وأن حرية التعبير التي يعتبرونها مما يميزهم غير مسموح بها إذا كانت لا تناسب توجهاتهم وأهدافهم، وأنهم يعتقدون أن شكل الحرية الذي فصلوه لأنفسهم يناسب جميع البشر والقارات، لذلك ومنذ ما كشفته الأحداث الماضية لم أقطع كيلو مترًا واحدًا ماشيًا، حتى عندما أبدأ بالمشي من تلقاء نفسي لا أستطيع قطع مئات الأمتار دون التوقف في الطريق مرة واحدة على الأقل، وصار توقفي رزقًا لأصحاب المقاهي التي أجلس بها لالتقاط أنفاسي.
فقدت لياقتي لأن الذين كانوا يتغنون بالحرية الغربية صاروا يتحدثون بكل شيء إلا عن حرية الغرب، يتحدثون عن البيتكوين وعن كرة القدم وتطبيقات الهواتف الذكية وآخر الأفلام وشؤون الاقتصاد، لا يتركون شأنًا في حاله، إلا حرية الغرب لا يذكرونها أبدًا.
ولأنني صرت لا أهرب من أحاديثهم أصبحت أجلس طويلًا معهم، هذا السبب الحقيقي لفقداني للياقة المشي، فقدتها بعد اختفاء الدافع، وعندما استشعرت الزيادة في وزني حاولت تذكير المعجبين بالحرية الغربية بما كانوا يتغنون فيه، لعل الحماس يدب فيهم فيبدؤون بالتعبير وأعود أنا لعادة الهروب منهم مشيًا، حاولت تحفيزهم عدة مرات: حرية الكلمة والرأي يا شباب.. طيب المساواة.. أي شيء يا جماعة، وزني زائد.. أرجوكم.. كيلو متر واحد على الأقل، قولوا أي شيء، طيب نطتين ثلاثة.. لا شيء.