السر
في التركيز!
يقال إن الإنسان ينجح عندما يركز على أمر واحد، يعطيه وقته وتفكيره وجهده، ولدى بعضنا تجارب في هذا الأمر، وهي كافية لأن تكون مقنعةً بأن التركيز العميق طريق للمعرفة بالأمر والإحاطة به، فكلما ركزت أكثر على هدف معيَّن، حققت فيه نجاحًا، أو تطورًا على أقل تقدير.
ومع أن هذا النجاح يأتي على حساب أمور أخرى، لكنَّ تحقيقه يعدُّ إنجازًا للباحثين عن منجز للضرورة، أو الذات.
اليوم، في زمن الجوال، صار على مَن يريد إنجاز أمر معيَّن، أن يفصل الإنترنت عن جواله، ولا يعيده إلا للحاجة، لأن المشتِّتات فيه أكبر من أن تصد. عشرات التطبيقات والمواقع، التي تسرق الوقت دون نتيجة تذكر. ولأن الدخول المتكرِّر طوال اليوم للتطبيقات أصبح عملية إدمان أكثر من مجرد اطلاع على أمور محدَّدة ولوقت قصير، تجد أن أحدنا يتصفَّح “تويتر”، أو “إنستجرام” ساعات دون غاية أو هدف! يتنقَّل من فيديو لآخر، ومن حساب لحساب، حتى في اللقاءات مع الأصحاب، نفتح جوالاتنا، ونتصفَّح التطبيقات، وكأننا ننتظر قراءة خبر معيَّن، أو معرفة أمر ما، لكننا في الحقيقة لا ننتظر، ولا نبحث عن أي شيء، نحن فقط أدمنا هذه التطبيقات لا أكثر.
العجيب أننا لا نتردَّد في الاعتقاد بعدم امتلاكنا الوقت الكافي إذا ما فكرنا في إنجاز أمر يتطلب، أو نتطلع لإنجازه. شاهدت قبل أيام صورة لكاتب مع أحد معجبيه، علَّق المعجب على الصورة بأنه هنَّأ الكاتب بصدور كتابه المئة. لم أفكر طويلًا في هذا الرقم الكبير من المؤلَّفات، لأنني متأكد من أن الكاتب أعطى وقته للقراءة والكتابة، فكتب خلال سنوات هذا العدد الكبير من المؤلَّفات، وأراهن على أنه إذا ما أدمن تطبيقات الـ “سوشال ميديا” بدلًا من القراءة والكتابة، فلن ينجز سوى عشرة في المئة من مؤلفاته الحالية، على أكثر تقدير.
في عالم الرياضية، ينجح الرياضيون الذين يركزون على تدريباتهم الرياضية، ولا يشاركونها مع السهر والأكل غير الصحي والساعات اليومية الضائعة، ويتفوَّق الذين يتدرَّبون بشكل منتظم على أصحاب المهارات الذين لا يتدرَّبون. العملية أشبه بالإخلاص لما تريد تحقيقه، فتبعد عنه الشركاء، وتتفرَّغ له وحده، حينها يعطيك الإخلاص نتائج مبهرة. بعضنا يعاني من الشعور بعدم الرضا، أو الملل، ويؤدي هذا الشعور للإحباط، والحقيقة، ومن خلال التجربة، من أسباب ذلك عدمُ الانشغال والتركيز في هدف واضح ومحدَّد، إضافةً إلى أن استخدام تطبيقات الـ “سوشال ميديا” ساعات طويلة في اليوم، والخروج دون فائدة ملحوظة، يزيدان من مشاعر عدم الرضا والملل.