بطل النسيان
إذا كان للسباحة بطل، وللشطرنج بطل، ولرفع الأثقال بطل، فأنا أيضًا بطل ولكن بطل للنسيان. ومع كامل تقديري واحترامي لـ «النسايين» إلا أن نسيانهم لا يبدو شيئًا أمام حجم نسياني، فأنا لا أنسى أين وضعت مفتاح السيارة، أو شاحن الجوال، أو موعدًا، أنا لا أنسى هذه الأمور الصغيرة، ولا تهمني إذا ما نسيتها. قبل أيام كنت أتصفح بعض الأوراق القديمة، فوجدت شيئًا مما كتبته أثناء جائحة كورونا، ومع أني تذكرت مشاعري عندما كنت أكتب يوميات كورونا، إلا أني ومنذ زوال الجائحة كنت قد نسيت تلك المشاعر وكأنها لم تكن، وجدت فيما كتبت أني أتمنى الخروج من المنزل، لقد كانت أمنية كبرى حينها «أود الخروج من المنزل، اشتقت للمقاهي التي أحببتها واعتدت دفأها، لا تبدو أمنيتي ذات أهمية أمام أمنيات الذين يصارعون الموت الآن في المستشفيات». ليست المدة بعيدة لكي أذكركم بيوميات كورونا، كان الشوق كبيرًا لعودة الحياة إلى طبيعتها، كنا نشتاق لممارسة يومياتنا، فهمنا حينها أن حياتنا قبل الجائحة كانت حياة جميلة، اعتدنا فيها الكثير من النعم حتى لم يعد الكثيرون منا يشعرون بقيمتها الحقيقية. كانت تلك الفترة أشبه بهزة لننتبه، ونعيد الكثير من حساباتنا، ونرتب أولوياتنا. أتذكر عهودي لنفسي إذا ما زالت الجائحة بأني سأبقى دائمًا ممتن لكل التفاصيل الصغيرة، شاعرًا بقيمة الأشياء من حولي، عاهدت أن لا أركض في الحياة، وأن أمشي لكي أتنعم بجمالها وسكينتها، وألا أنقطع عن زيارة أحبتي وأصدقائي، وأن أكون أكثر شجاعة في الحياة. نسيت كل عهودي التي قطعتها لنفسي، نسيت قيمة أن تصحو صباحًا لتذهب إلى عملك، وتلتقي بزملائك، نسيت قيمة أن تشتري من البقالة، وأن تزور أصدقاءك، وأن تحضر مباراة في الملعب. شعرت قبل أيام بالملل، شعرت بالملل مما كنت أثناء الجائحة أتمنى الحصول عليه أو على جزء منه، بدا كل شيء لي عاديًا، لماذا؟ لأني بطل النسيان. النسيان من طبيعة الإنسان، لكن نسيان قيمة بعض الأمور المهمة لا يعتبر نسيانًا، بل سوء فهم وسوء تقدير وسوء تفكير. العاقل من لا يخرج من التجارب من دون دروس وفائدة، حياتنا التي نحياها اليوم رائعة، لكنها تحتاج إلى إنسان لا ينسى لحظات ضعفه، ولا ينسى حقيقة حجمه، وأن يكون ماهرًا في الحساب، لكي يجيد عد النعم الكثيرة من حوله، وأن يشكر الله ويحمده دائمًا.
* مثل صيني: دائمًا ما يتمسك العطر باليد التي تعطي الورد.