من الوريد إلى الوريد
بعد كل مباراة تعلو الأصوات ويرتفع الصراخ حد قتل المتعة، والسبب في هذا الارتفاع المستمر والمبالغة في الغضب بعد كل هزيمة أن من يخسر يعتقد أنه يمكن أن يغير الحقائق بالكلام.. وهذه أوهام.
لا ألوم الجماهير، فمبالغتهم في الفرح والغضب أمر طبيعي، فهم يحبون فريقهم وعاطفتهم تغلبهم، فيحكمون بالقلب لا بالعقل، وهذا مهم لأن العاطفة هي التي تجعلهم يملؤون المدرجات ويشترون المنتجات ويحمسون الفريق ويدفعونه للأمام، بدونهم لا قيام بعد السقوط، بدونهم لن يُراجع اللاعب حساباته، بدونهم لن يغير المدرب قناعاته.
فدور الجمهور واضح مثل دور الأهل يدعمون الابن في كل الأحوال وسيبقون دائمًا يدافعون عنه ويحبونه مهما سقط وانكسر، دور معنوي له تأثير كبير في بث الحماس وعدم اليأس.
أما الإعلامي والمحلل فله دور آخر، ويجب ألا يتحول إلى مشجع يغضب عند الخسارة، ويبالغ في الفرح عند الفوز، فالصحافة لها أخلاقيات ومبادئ وأصول ولا يمكن أن تتحول إلى مدرج يُقال فيه ما يخطر على البال ويجول في الخاطر.
أول تلك المبادئ التي تميز الصحافي عن غيره هي الموضوعية وعدم التحيز، بمعنى أن الصحافي أو المحلل يجب أن يتحلى بالإنصاف والعدل وعدم الخلط بين الرأي والحقائق وأن ينظر للحدث الذي أمامه بتجرد من العاطفة.
من أوضح صور قلة الموضوعية كثرة الصفات التي يضعها الصحافي عند تعبيره عن الحدث، فعندما يتحدث الصحافي المحترف عن خطأ تحكيمي يشير لكون الحكم اتخذ قرارًا «غير موفق» أو «غير دقيق»، ولكن الصحافي غير المحترف سيصف الحدث بطريقة أخرى «ظلم تحكيمي» «نحر الفريق من الوريد إلى الوريد» وغيرها من التعابير العاطفية التي تخرج الصحافي والمحلل من صفوف «السلطة الرابعة» إلى مدرجات «الدرجة الثانية».
هذا لا يعني أن الصحافي ليس لديه انتماء أو ميول، ولكن الموضوعية تفرض عليه التجرد من هذا الانتماء.
النزاهة والعدل أن نعطي الحق لأصحابه، وأن نحكم بإنصاف حتى لو كان حُكمنا يخالف ما تراه قلوبنا وما تتمناه أنفسنا، فالعاطفة للجماهير وليست للصحافيين.