2025-04-19 | 22:43 مقالات

المدرب الطبّاخ

مشاركة الخبر      

لا أرجح أن الأندية قد بدأت بعد في حصر خياراتها التدريبية للموسم المقبل. اعتدنا أن تؤجَّل هذه الخطوة إلى ما قبل المعسكر الإعدادي بأيام، وربما حتى بعد انطلاقه. وهذا التأجيل في حد ذاته يعبّر عن مشكلة أعمق: غياب التخطيط، وعدم نضج الآليات التي يفترض أن تحكم اختيار المدرب.

أكثر ما يثير الامتعاض في هذا الملف أن اختيار المدربين يبدو أقرب إلى العشوائية، فالإقالات المتكررة لا تعكس بالضرورة تدني كفاءة المدربين، بقدر ما تكشف عن هشاشة عمليات الفرز والتعاقد. إنها أزمة تبدأ قبل أن يمنح النادي المدرب فرصة ارتكاب أخطائه. لا يجب أن يصادر أحد حق أحدٍ في ارتكاب الخطأ، لأن المصادرة هذه سلب لإنسانية الإنسان. فالإنسان بشر والخطأ وارد، ومن حق الإنسان أن يكون التعلم بالمحاولة والخطأ مصدرًا معرفيًا له.

لا يوجد مدرب سيئ، بل يوجد مدرب مناسب وآخر غير مناسب. هذه الفرضية، إذا أخذناها على محمل الجد، فستقود الأندية إلى أن تبدأ من نقطة لم تألفها: معرفة ذاتها أولاً. ما الذي تريده فعلاً؟ وما هي هويتها؟ وما هي الوجهة؟ من دون إجابة دقيقة على هذه الأسئلة، فإن التعاقد مع أي مدرب سيكون أشبه بتجربة عشوائية أخرى.

صحيح أن اختيار المدرب مهمة صعبة في كل مكان، لكنها تتضاعف في بيئة مثل بيئتنا في السعودية. لا يعود ذلك فقط إلى شدة التنافس، بل أيضًا إلى اعتماد الأندية على المدرب الأجنبي، بما يحمله ذلك من فجوات معرفية وثقافية قد تكون خفية في بدايتها، لكنها تظهر لاحقًا في كل تفاصيل العمل. في ألمانيا مثلًا، حين يبحث نادٍ عن مدرب، فإنه يتحرك داخل دائرة مألوفة؛ إذ يعيش المدرب تفاصيل اللعبة في السياق نفسه، ويعرف اللاعبين، والإعلام، والعقلية، واللغة، وحتى الإيقاع العام للحياة. أما في السعودية، فالنادي يبحث غالبًا عن مدرب يعيش بعيدًا تمامًا عن هذه التفاصيل، ويُطلب منه أن ينجح بسرعة، وبلا تأخير، وبلا منحنى تأقلم.

لو أردنا توصيفًا مجازيًا يقرّب الصورة، فيمكن القول إن اختيار المدرب يشبه الطبخ. فكل مدرب طاهٍ بارع، له أطباق يتقنها. قد تجلب مدربًا متخصصًا في إعداد البيتزا، بينما مقاديرك من اللاعبين تناسب الكبسة، وطموحك أن تحضر السوشي! ما النتيجة؟ حيرة، ففشل، ثم إقالة. المشكلة ليست في الطاهي، بل في جلبه لوصفة لا تناسب أدواته ولا خبرته. لذلك فإن تورط الأندية في إقالات المدربين سيظل قائمًا ما لم تراجع طريقتها، وتُدرك أن المسألة ليست عن "أفضل مدرب" بل عن "المدرب الأنسب". وهذا فرق جوهري، يبدأ من الداخل، لا من السير الذاتية المبهرة.